حوكمة الشركات
وأهميتها في جذب الاستثمارات وتنمية الموارد البشرية
محاضرة مع بحث علمي ودراسة تحليلية عملية
أعدت ضمن الفعاليات العلمية لجمعية المحاسبين القانونيين السوريين
إعـــــــــــداد
الأستاذ الدكتور محمد خالد المهايني
أستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق
محاسب قانوني
دمشق - سورية
حزيران 2007
مقدمة:
تزايد الاهتمام بمفهوم حوكمة الشركات ( Gorporate Governane) في العديد من الاقتصاديات المتقدمة والناشئة خلال العقود القليلة الماضية وخاصة في أعقاب الانهيارات الاقتصادية والأزمات المالية التي شهدتها عدد من دول جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وروسيا خلال عقد التسعينات من القرن العشرين، وكذلك ما شهده الاقتصاد الأمريكي من الموجات المتلاحقة من الإنهيارات المالية والمحاسبية لعدد من أقطاب الشركات الأمريكية خلال عام 2002.
وبشكل عام يشير مفهوم حوكمة الشركات إلى القوانين والقواعد والمعايير التي تحدد العلاقة بين إدارة الشركة من ناحية وحملة الأسهم وأصحاب المصالح أو الأطراف المرتبطة بالشركة (حملة السندات ، العمال ، المدينين ، الدائنين...) من ناحية أخرى .
ويثير مصطلح حوكمة الشركات بعض الغموض لأسباب عديدة هي :
1- مفهوم هذا المصطلح لم يبدأ في التبلور إلا منذ قرابة عقدين أو ثلاثة عقود.
2- عدم وجود تعريف قاطع وواحد لهذا المفهوم فالبعض ينظر إليه من الناحية الإقتصادية وآخرون ينظرون إليه من الناحية القانونية وفريق ثالث ينظر إليه من الناحية الاجتماعية والأخلاقية .
3- هذا المصطلح مازال في طور التكوين ومازالت هناك الكثير من القواعد والمعايير الخاصة به في مرحلة البناء والتطوير.
وقد عرفت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية اﻠ OECD في عام 1999 التحكم المؤسسي (الحوكمة) على أنه:
النظام الذي يوجه ويضبط أعمال الشركات حيث :
أ. يصف ويوضح الحقوق والواجبات بين مختلف الأطراف في الشركات مثل مجلس الإدارة والمساهمين وأصحاب المصانع في الشركة.
ب. يضع القواعد والإجراءات اللازمة لاتخاذ القرارات الخاصة بشؤون الشركة.
ج. يضع أهداف الشركة والوسائل المتاحة لتحقيق تلك الأهداف ومراقبة الأداء.
د. الإحتكام إلى العمل المؤسساتي في وضع أنظمة ذاتية للإدارة والتوجيه والرقابة ضمن إطار أخلاقي نابع من الشركة.
- لماذا نحن في حاجة إلى التحكم المؤسسي (الحوكمة ) ؟
- هناك العديد من العوامل التي جعلتنا في حاجة إلى الحوكمة وهي :
1- العولمة .
2- النمو الاقتصادي .
3- الإفصاح والشفافية.
4- الأزمات الإقتصادية التي واجهت العالم .
ومع ذلك هناك شبه اتفاق بين الباحثين والممارسين حول أهم محددات الحوكمة وكذلك معايير تقييمه .
وهناك اتفاق على أن التطبيق الجيد لحوكمة الشركات من عدمه يتوقف على مدى توافر ومستوى جودة مجموعتين من المحددات :
1- المحددات الخارجية:
أ. المناخ العام للإستثمار في الدولة ( القوانين المنظمة لعمل السوق مثل قوانين سوق المال والشركات والإفلاس... ).
ب. كفاءة القطاع المالي (المصارف وسوق المال) في توفير التمويل اللازم للمشروعات ودرجة تنافسية أسواق السلع وكفاءة الأجهزة والهيئات الرقابية في إحكام الرقابة على الشركات.
ج. المؤسسات ذاتية التنظيم التي تضمن عمل الأسواق بكفاءة ( الجمعيات المهنية مثل المراجعين والمحاسبين والمحامين... ).
د. المؤسسات الخاصة للمهن الحرة مثل مكاتب المحاماة والمراجعة والاستشارات المالية والاستثمارية .
2- المحددات الداخلية:
- القواعد والأسس التي تحدد كيفية إتخاذ القرارات وتوزيع السلطات، والتي يؤدي توافرها من ناحية وتطبيقها من ناحية أخرى إلى تقليل التعارض بين مصالح هذه الأطراف الثلاثة
( الجمعية العامة ومجلس الإدارة والمديرين التنفيذيين ).
- وقد توصلت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD في عام 1999 إلى خمس مجموعات من معايير التقييم وهي :
أ- حقوق المساهمين :
وتشمل حق نقل ملكية الأسهم والتصويت في الجمعية العامة واختيار مجلس الإدارة والحصول على عائد في الأرباح ومراجعة القوائم المالية وحقهم في المشاركة الفعالة في إجتماعات الجمعية العامة .
ب- المعاملة المتساوية للمساهمين :
تحقيق معاملة عادلة لكل المساهمين بما في ذلك الأقليات والمستثمرين الأجانب ويجب أن يأخذ المساهمين كافة الفرصة في تصويت أي تجاوزات لحقوقهم.
ج- أصحاب المصالح :
حماية حقوق أصحاب المصالح والتي ضمنها لهم القانون بهدف زيادة الدخل وفرص التوظف والمحافظة على وضع مالي سليم للشركة.
د- الإفصاح والشفافية :
الإفصاح الدقيق في التوقيت المناسب فيما يتعلق بالأمور المادية للشركة متضمناً الوضع المالي والأداء والملكية وإدارة الشركة.
ﻫ- مسؤوليات مجلس الإدارة :
توجيه أعمال الشركة بشكل استراتيجي والرقابة الفعالة على الإدارة ومساءلة مجلس الإدارة تجاه الشركة والمساهمين.
وقد تم وضع هذه المعايير بهدف تحسين أداء إدارة الشركة بشكل عام وخاصة عندما تفشل الطرق القانونية في توفير الحماية الكافية لحقوق المساهمين.
وقد تزايدت أهمية حوكمة الشركات خلال العقدين الأخيرين نتيجة لعدة أسباب من أهمها :
1- التحول إلى نظام اقتصاديات السوق .
2- تحقيق معدلات مرتفعة ومتواصلة من النمو الاقتصادي.
3- اتساع حجم المشروعات مما أدى إلى انفصال الملكية عن الإدارة.
4- تزايد انتقالات رؤوس الأموال عبر الحدود.
5- ضعف آليات الرقابة على تصرفات المديرين. مما أدى إلى حصول الأزمات الاقتصادية. مثال ذلك: أزمة جنوب شرق آسيا في أواخر التسعينات، ثم توالت الأزمات بعد ذلك ولعل من أبرزها أزمة شركة إنرون وورلدكوم في الولايات المتحدة عام 2001.
أولاً: أهمية إتباع القواعد السليمة لحوكمة الشركات :
1- ضمان قدر ملائم من الطمأنينة للمستثمرين وحملة الأسهم على تحقيق عائد مناسب لاستثماراتهم مع العمل على الحفاظ على حقوقهم وخاصة حائزي أقلية الأسهم.
2- تعظيم القيمة السهمية للشركة وتدعيم تنافسية الشركات في أسواق المال الدولية وخاصة في ظل استحداث أدوات وآليات مالية جديدة وحدوث اندماجات أو استحواذ أو بيع لمستثمر رئيسي...
3- التأكد من كفاءة تطبيق برامج الخصخصة وحسن توجيه الحصيلة منها إلى الاستخدام الأمثل لها منعاً لأي من حالات الفساد التي قد تكون مرتبطة بذلك.
4- توفير مصادر تمويل محلية أو دولية للشركات سواء من خلال الجهاز المصرفي أو من أسواق المال.
5- تجنب الإنزلاق في مشاكل محاسبية ومالية مما يعمل على تدعيم واستقرار نشاط الشركات العاملة في الاقتصاد.
ثانياً : حوكمة الشركات والتنمية الاقتصادية :
تعمل حوكمة الشركات على تحسين كفاءة استخدام الموارد وتعظيم قيمة الشركات وتدعيم قدرتها التنافسية في الأسواق، مما يمكنها من جذب مصادر تمويل محلية ودولية للتوسع والنمو مما يجعلها قادرة على خلق فرص عمل جديدة مع الحرص على تدعيم استقرار أسواق المال والأجهزة المصرفية، الأمر الذي يؤدي إلى تحقيق الكفاءة والتنمية الاقتصادية المستهدفة.
ثالثاً : الحوكمة في إدارة وتنمية الموارد البشرية :
بما أن مصطلح الحوكمة هو أحد المصطلحات الاستثمارية والتي من خلالها يتم ترشيد قرارات الاستثمار بشكل عملي ملموس، فقد جرى العرف على اعتبار الاستثمار هو كل مايعمل على زيادة الطاقة الإنتاجية لرأس المال المادي، وقد تناسى البعض أن الارتقاء بكفاءة البشر من حيث مستوى التعليم والتدريب والرعاية الصحية هو العنصر الحاكم والمحدد في عملية زيادة الإنتاج.
وعلى ذلك يتطلب الأمر توسيع النظرية التقليدية للاستثمار لتشمل أوجه الإنفاق التي تساهم في تحسين نوعية رأس المال البشري ورفع الكفاية الإنتاجية للأفراد وأهم أوجه الانفاق الاستثماري تلك الأوجه التي تتم في مجال الخدمات التعليمية والرعاية الصحية.
تتدرج مستويات قرارات الاستثمار البشري بدءاً من الفرد والأسرة والمنشأة وأخيراً الحكومة وفي كل مستوى يتطلب قرار الاستثمار تحليلاً اقتصادياً للعائد والتكلفة للتعرف على مدى الجدوى الاقتصادية لقرار الاستثمار البشري.
تمويل التنمية البشرية :
العنصر البشري هو أساس كل تقدم علمي وتكنولوجي قديم وحديث ولذلك فإن التقصير في التنمية البشرية يترتب عليه انخفاض وسوء استخدام المتاح من رأس المال المادي بالكفاية المطلوبة. وبالتالي لرفع كفاءة العنصر البشري لابد من التوجيه نحو الاستثمار البشري، وكأي مشروع يستثمر فيه لابد من مصادر لتمويله ومما لا شك فيه فإن كفاءة أداء الموارد البشرية تتوقف أساساً على كيفية تمويل التنمية البشرية والتي تتمثل في :
1- الإنفاق العام :
قامت الدراسات المتخصصة بتحليل الإنفاق العام على التنمية البشرية من خلال أربع مستويات على النحو التالي :
أ. نسبة ماتنفقه الحكومة من الناتج القومي الإجمالي.
ب. النصيب النسبي للخدمات الاجتماعية من الإنفاق الحكومي.
ج. نسبة الأولويات الاجتماعية من المخصصات الاجتماعية.
د. نصيب الأولويات البشرية من الناتج القومي الإجمالي.
كما اتضح من بعض الدراسات أن زيادة الإنفاق المخصص للتنمية البشرية قد لا يستلزم بالضرورة زيادة حجم الإنفاق الحكومي بقدر ما يستلزم إعادة النظر في هيكل هذا الإنفاق ونسب توزيعه، والبحث من أجل إقامة توازن أفضل بين أوجه الإنفاق الاجتماعي.
والقول بأن تشجيع التنمية البشرية لا يمكن أن يكون إلا على حساب النمو الاقتصادي قول خاطئ.
حيث تستطيع هذه الدول إعادة هيكلة إنفاقها العام وتخفيض ما يخصص للدفاع والإنفاق البذخي والمظهري وما شابه وزيادة ما يخصص للصحة والتعليم، ولا شك أن التوسع في هذا النوع من الإنفاق البشري لن يكون على حساب النمو بل سيكون دعماً للنشاط الإنتاجي والنمو الاقتصادي من خلال زيادة الطاقة الإنتاجية البشرية.
2- المعونة الدولية :
تتيح برامج المعونة الدولية إمكانات كبيرة للدول النامية فإذا أمكن تخصيص نسبة مناسبة منها لمجالات الأولوية البشرية فسوف يؤدي ذلك إلى ارتفاع مستوى التنمية البشرية في العالم الثالث.
مما سبق فإن هناك مجالات أمام الدول النامية لدعم التنمية البشرية باستخدام نفس الموارد المتاحة سواء الداخلية في صورة الإنفاق العام أو الخارجية في صورة المعونة الدولية وذلك من خلال إعادة هيكلة موازنات الدولة بتوجيه نسبة أكبر منها للإنفاق البشري.
وهكذا أثبتت التجارب في العالم أن العلاقة بين النمو الاقتصادي والتنمية البشرية ليست علاقة تلقائية وأن التحدي الحقيقي يتمثل في إدارة النمو الاقتصادي وتوزيع عائده توزيعاً عادلاً يحقق سعادة البشر. فالتوسع في الإنتاج والثروة ما هو إلا وسيلة لتحقيق غاية والربط بين الغاية والواسطة وهو ما ينبغي أن تركز عليه التحليلات والسياسات والخطط الإنمائية.
رابعاً : الحوكمة والإجراءات الإدارية :
- تمتد الحاجة إلى ممارسة سلطة الإدارة في الاقتصاديات النامية والصاعدة والمتحولة إلى ما هو أبعد من حل المشاكل الناجمة عن الفصل بين الملكية والسيطرة فالاقتصاديات النامية والصاعدة تتعرض بصفة مستمرة لمسائل مثل نقص حقوق الملكية وعدم تنفيذ التعاقدات وانخفاض الأجور والتعامل الذاتي .
- والأسوأ من ذلك أن هذه التصرفات تمضي دون عقاب لأن الكثير من الاقتصاديات النامية والصاعدة والمتحولة تفتقر إلى المؤسسات السياسة والاقتصادية اللازمة لتحقيق الديموقراطية ووظائف السوق ولن يكون لممارسة سلطة الإدارة تأثير يذكر في غياب هذه المؤسسات وعلى ذلك فإن تأسيس أسلوب ممارسة سلطة الإدارة في الاقتصاديات النامية والصاعدة والمتحولة يستوجب تأسيس مؤسسات ديموقراطية موجهة نحو السوق ووضع إرشادات سليمة لإدارة الشركات من الداخل .
تأسيس أسلوب ممارسة سلطة الإدارة في الاقتصاديات النامية والصاعدة والمتحولة :
ما هي أسباب أهمية أسلوب ممارسة سلطة الإدارة ؟
في اقتصاد العالم الحالي تصبح الشركات بل والدول التي تضعف فيها أساليب ممارسة سلطة الإدارة أكثر عرضة لنتائج وخيمة تفوق بكثير مجرد الفضائح والأزمات المالية . وقد أصبح من الواضح تماماً أن كيفية إدارة الشركات – أي أسلوب ممارسة إدارة الشركة Corporate governance يحدد بدرجة كبيرة مصير الشركات ومصير الاقتصاديات كلها في عصر العولمة.
لقد فتحت العولمة وتحرير سوق المال أسواقاً دولية جديدة وإمكانيات تحقيق أرباح مذهلة، ومع ذلك أصبحت الشركات عرضة لمنافسة شرسة وذبذبة شديدة في رأس المال . وأصبحت مجتمعات الأعمال ومديروا الشركات في كل دولة يعرفون أن تحقيق التوسع والقدرة التنافسية على المستوى الدولي يتطلب الحصول على رأس مال يفوق مصادر التمويل التقليدية.
وقد جعلت الأزمات المالية الأخيرة الناتجة عن الفساد وسوء الإدارة جذب رؤوس الأموال الكافية عملية محفوفة بالصعوبات لأن هذه الأزمات تكلف المستثمرين مليارات الدولارات وتخرب قدرة الشركات المالية، كما تساهم أيضاً في زيادة نشاط المساهمين والتنافس على الاستثمار، لأن المستثمرين – وخاصة مؤسسات الاستثمار – تبدي للجميع رفضها تسديد فاتورة الفساد وسوء الإدارة.
النقطة التي يتم في الغالب تجاهلها هي أن لممارسة سلطة الإدارة أهميتها بالنسبة لشركات القطاع العام بمثل أهميتها بالنسبة لشركات القطاع الخاص. وقد بدأ تأسيس أسلوب ممارسة سلطة الإدارة داخل شركات القطاع الخاص يلقي اهتماماً متزايداً، ويظهر هذا الاتجاه جلياً عندما تحاول البلدان كبح الفساد المتفشي داخل القطاع العام أو هي بصدد الإعداد لطرح شركات القطاع العام للخصخصة، وأياً كان الوضع فإن اتخاذ تدابير جيدة وفعالة لممارسة سلطة الإدارة سيساعد كثيراً على أن يجني المواطنون عائداً عادلاً على الأصول القومية.
كيف يمكن لأسلوب الإدارة الجيد أن يساعد الشركات والاقتصاد القومي؟
تجدر الإشارة إلى أن الأسلوب الجيد لممارسة سلطة الإدارة سيساعد الشركات والاقتصاد بشكل عام على جذب الاستثمارات ودعم الأداء الاقتصادي والقدرة على المنافسة على المدى الطويل من خلال عدة طرق وأساليب :
أولاً : من خلال التأكيد على الشفافية في معاملات الشركة وفي عمليات وإجراءات المحاسبة والمراجعة والمشتريات وفي جميع عمليات الشركة. والمعروف أن الفساد يؤدي إلى استنزاف موارد الشركة وتآكل قدرتها التنافسية وبالتالي انصراف المستثمرين عنها.
ثانياً : إجراءات ممارسة سلطة الإدارة تؤدي إلى تحسين إدارة الشركة ومساعدة المديرين ومجلس الإدارة على تطوير استراتيجية سليمة للشركة، وهذا سيساعد الشركات على جذب الاستثمارات بشروط جيدة وإلى تحسين كفاءة أداء الشركة.
ثالثاً : بتبني معايير الشفافية في التعامل مع المستثمرين ومع المقرضين، من الممكن أن يساعد النظام الجيد لممارسة سلطة الإدارة على منع حدوث الأزمات المصرفية حتى في الدول التي لايوجد تعامل نشط على معظم شركاتها في أسواق الأوراق المالية.
رابعاً : تشير البحوث الحديثة إلى أن الدول التي تطبق أسلوب ممارسة سلطة الإدارة لحماية الأقليات من حملة الأسهم تفتح أمامها أبواب عدد أكبر من أسواق المال ذات السيولة الأكبر.
على الدول التي تسعى إلى جذب صغار المستثمرين – سواء من الداخل أو من الخارج – أن تطبق أسلوب ممارسة سلطة الإدارة حتى تتمكن من جذب العملة الصعبة التي يحفظها صغار المستثمرين تحت الفراش أو تحت البلاط.
تطبيق ممارسة سلطة الإدارة يقوي ثقة الجمهور في صحة الخصخصة ويساعد على ضمان تحقيق الدولة أفضل عائد على استثماراتها، وهذا بدوره سيؤدي إلى المزيد من فرص العمل والتنمية الاقتصادية.
إن ممارسة سلطة الإدارة تعني بالمفهوم الأوسع كيفية وضع هيكل يسمح بقدر كبير من الحرية في ظل سلطة القانون. وتشمل التغييرات الأساسية تبني المعايير الدولية للشفافية والوضوح والدقة في البيانات المالية حتى يتمكن الدائنون والمقرضون من مقارنة احتمالات الاستثمار بسهولة.
وقد بدأت الجهود لتحسين أسلوب ممارسة سلطة الإدارة بوضع معايير دولية منذ حوالي /15/ سنة حتى اكتسب ما يتمتع به من قوة هائلة في الوقت الحالي وحرصت منظمة التجارة العالمية والدول الأعضاء منذ أكثر من عشر سنوات على وضع معايير تساعد على نمو الشركات عبر الحدود بإقناع المستثمرين والمقرضين بالثقة في الاستثمار في دولهم أو في المنطقة التي يوجدون فيها.
وبالإضافة إلى ذلك قام البنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومعظم بنوك التنمية الإقليمية ومختلف هيئات التنمية القطرية بوضع وتوسيع برامج ممارسة سلطة الإدارة على مدى عدة أعوام مضت. وبالمثل قامت المنظمات المعنية بشؤون الشركات مثل مركز المشروعات الدولية الخاصة التابع لغرفة التجارة الأمريكية بوضع أسلوب ممارسة سلطة الإدارة على قمة قائمة اهتماماتها، وكذلك قامت بيوت الخبرة وجمعيات الشركات في كافة أنحاء العالم النامي والاقتصاديات المتحولة بتركيز مواردها على أسلوب ممارسة سلطة الإدارة.
من أين تأتي الحاجة إلى أسلوب ممارسة سلطة الإدارة ؟
تنبع الحاجة الأصلية لأسلوب ممارسة سلطة الإدارة من الفصل بين الملكية والسيطرة في الشركات ذات الملكية العامة. ويسعى المستثمرين إلى استثمار أموالهم في مؤسسات مدرة للربح لكي يتمتعوا بأرباحهم فيما بعد، ولكن كثيراً من المستثمرين لا يجدون الوقت ولا يمتلكون الخبرة اللازمة لتشغيل شركة وضمان الحصول منها على عائد الاستثمار.
ومع ذلك تمتد الحاجة إلى ممارسة سلطة الإدارة في الاقتصاديات النامية والصاعدة والمتحولة إلى ما هو أبعد من حل المشاكل الناجمة من الفصل بين الملكية والسيطرة، فالاقتصاديات النامية والصاعدة تتعرض بصفة مستمرة لمسائل مثل نقص حقوق الملكية، وعدم تنفيذ التعاقدات، وانخفاض الأصول، والتعامل الذاتي.
والأسوأ من ذلك أن هذه التصرفات تمضي دون عقاب لأن الكثير من الاقتصاديات النامية والصاعدة والمتحولة تفتقر إلى المؤسسات السياسية والاقتصادية اللازمة لتحقيق الديموقراطية ووظائف السوق.
أهمية هياكل الملكية في قطاع الشركات :
يدور نظام ممارسة سلطة الإدارة كله حول أربعة مبادئ أساسية وهي : النزاهة والقابلية للمحاسبة والمسؤولية والشفافية، وتتوقف التحديات التي تواجه التمسك بهذه المبادئ على هيكل الملكية في قطاع الشركات.
وهناك نوعان رئيسيان من هياكل ملكية الشركات : الملكية المركزة والملكية المشتتة.
في هياكل الملكية المركزة تكون الملكية و/أو السيطرة المركزة في عدد صغير من الأفراد و/أو العائلات، والمديرين التنفيذيين والشركات القابضة والمصارف وغيرها من المؤسسات غير المالية.
أما الملكية المشتتة، وهي النوع الثاني من هياكل الملكية فيوضحها هذا السيناريو : عدد كبير من المالكين، كل منهم يمتلك عدداً صغيراً من أسهم الشركة.
احتواء كل نظام على تحديد لممارسة سلطة الإدارة :
كل من نظام الداخليين ونظام الخارجيين له مزاياه وله عيوبه وبالتالي له تحدياته المتعلقة بممارسة سلطة الإدارة، وسوف نتناول ذلك بإيجاز ابتداءً بنظام الداخليين.
أنظمة الداخليين Insider systms :
تتمتع الشركات الخاضعة لسيطرة الداخليين بمزايا معينة، لأن الداخليين لديهم القوة والحافز على مراقبة الإدارة عن كثب وبالتالي تقليل احتمالات حدوث سوء الإدارة والخداع. وعلاوة على ذلك فإن الداخليين الذين يمتلكون قسطاً من الأسهم ومن حقوق السيطرة يميلون إلى الإبقاء على المدى الطويل دون القرارات المصممة لتنظيم المكاسب على المدى القصير.
ومع ذلك فإن الداخليين قد يعرضون الشركة لحالات من الفشل فيما يتعلق بممارسة سلطة الإدارة، منها أن المالكين المسيطرين على رأس المال و/أو الأصوات قد يستأسدون أو يتواطؤون مع الإدارة للاستيلاء على أصول الشركة على حساب صغار المساهمين، ويعتبر عدم تمتع أقلية المساهمين بحقوقهم القانونية مخاطرة كبيرة.
وباختصار فإن الداخليين الذين يستخدمون قوتهم دون مراعاة للمسؤولية، يهدرون موارد الشركة ويضعفون قدرتها الإنتاجية ويشجعون المستثمر على التردد ويحرمون الشركة من السيولة الموجودة في أسواق المال. كما أن أسواق المال الضحلة تؤدي بدورها إلى حرمان الشركات من الأموال ومنع المستثمرين من تنويع المخاطر.
أنظمة الخارجيين outsider systems
في مقابل أنظمة الداخليين هناك أنظمة الخارجيين التي تعتمد على أعضاء مجلس إدارة مستقلين في مراقبة ومراجعة سلوك الإدارة. ويميل الأعضاء المستقلون إلى الإفصاح عن المعلومات صراحةً وبطريقة منصفة، وتقييم أداء الإدارة بموضوعية وحماية حقوق المساهمين بكل قوة. ونتيجة لذلك تعتبر أنظمة الخارجيين أكثر قابلية للمساءلة والمحاسبية وأقل عرضة للفساد، كما تميل إلى تشجيع أسواق المال ذات السيولة.
هناك نقاط ضعف معينة في هياكل الملكية المشتتة ، حيث يميل مالكوا الشركة إلى تعظيم الربح على المدى القصير، ومن ثم يوافقون على سياسات واستراتيجيات تحقق أرباح قصيرة المدى لا تؤدي بالضرورة إلى تحقيق أرباح للشركة على المدى الطويل، وهذا قد يؤدي في بعض الأحيان إلى صراعات بين المديرين والمالكين وإلى حدوث تغييرات متكررة في الملكية لأن المساهمين قد ينسحبون من الشركة أملاً في جني أرباح من أماكن أخرى، وكلتا الحالتين تؤثر على الاستقرار في الشركة.
من الواضح أن لكلا النظامين : نظام الداخليين ونظام الخارجيين مخاطر كامنة، وأن الإخفاق في استخدام الآليات المناسبة لتقليل هذه المخاطر سوف يضر بمصلحة الاقتصاد العام. وتصمم أنظمة ممارسة سلطة الإدارة لتقليل هذه المخاطر وتعزيز التنمية السياسية والاقتصادية. ويعتمد النظام الجيد لممارسة سلطة الإدارة على مجموعة متكاملة من الضوابط الداخلية والخارجية.
الضوابط الداخلية : هي الترتيبات التي تتخذ داخل الشركة بقصد تقليل المخاطر إلى أدنى حد بتحديد العلاقات بين المديرين والمساهمين وأعضاء مجلس الإدارة وأصحاب المصلحة. ولكي يكون لهذه الإجراءات تأثير ملحوظ لابد أن تدعمها مجموعة من المؤسسات خارج الشركة مصمماً حسب ظروف كل دولة ( وهي الضوابط الخارجية ).
يتعامل أسلوب ممارسة سلطة الإدارة مع الطرق التي يطمئن بها ممولو الشركات أنفسهم بالحصول على عائد من استثماراتهم. كيف سيتمكن الممولون من جعل المديرين يردون إليهم بعض الأرباح؟ وكيف يتأكدون أن المديرين لن يسرقوا المال الذي يقدمونه إلى الشركة وأنهم لن يستثمرونه في مشاريع فاشلة؟ وكيف يقوم الممولون بمراقبة عمل المديرين؟.
ومن هذا المنطلق، يميل أسلوب ممارسة سلطة الإدارة إلى التركيز على نموذج بسيط:
1. ينتخب المساهمون المديرين الذين سيمثلونهم.
2. يصوت المديرين على الموضوعات الرئيسية ويتبنون قرار الأغلبية.
3. تتخذ القرارات بطريقة شفافة لكي يتمكن المساهمون وغيرهم من وضع المديرين موضع المساءلة ( المحاسبة ).
4. تتبنى الشركة مواصفات قياسية للمحاسبة وتوفير المعلومات اللازمة لقيام المديرين والمستثمرين وأصحاب المصلحة الآخرين من اتخاذ القرارات.
5. تلتزم سياسات الشركة وممارسات أنشطتها بالقوانين الوطنية السارية.
تعتمد أنظمة ممارسة سلطة إدارة الشركات على منظومة من المؤسسات ( القوانين واللوائح والعقود والقواعد ) التي تمكن الشركات ذاتية الإدارة من العمل كعنصر مركزي من عناصر اقتصاد السوق التنافسي. وتضمن هذه المؤسسات تقوية إجراءات الحكم الداخلي التي تبنتها الشركة كما تضمن جعل الإدارة مسؤولة أمام مالكي الشركة ( المساهمين ) وأصحاب مصالح الآخرين.
النقطة الأساسية في هذا التعريف هي أنه يتوجب على كل من القطاع العام والقطاع الخاص أن يعملا معاً لوضع مجموعة القواعد الملزمة للجميع والتي توضح الطرق التي ستطلبها الشركات لتحكم نفسها.
خامساً: الإطار المؤسسي لأسلوب ممارسة سلطة الإدارة المؤثر:
حقوق الملكية
إن وجود نظام لحقوق الملكية يحترم حقوق الملكية الخاصة يعتبر واحداً من أهم المؤسسات الأساسية الضرورية لاقتصاد ديموقراطي يقوم على أساس السوق. ومن الضروري أن تضع قوانين ولوائح حقوق الملكية معايير بسيطة وواضحة تحدد بدقة (من يمتلك ماذا ؟) كما تحدد كيفية الجمع بين هذه الحقوق أو تبادلها ( كما يحدث على سبيل المثال في الصفقات التجارية )، وأن تضع أيضاً معايير لتسجيل المعلومات المطلوبة ( مثل المالك القانوني للعين المملوكة، وهل تم استخدام الملكية كضمان لقرض...الخ )، مع وضع كافة هذه المعلومات في الوقت المناسب وبتكلفة معقولة وكفاءة كبيرة المستثمرين سيترددون كثيراً في استثمار رؤوس أموالهم في شركات ليست لها حقوق ملكية قانونية قوية.
وفي هذا السياق، يمكن التركيز على عدد قليل من القوانين الأساسية. القانون الأول هو الذي يعطي الشركات شخصية قانونية بالاعتراف بوجودها " كأشخاص " قانونيين مستقلين عن مالكيها ويضع الأسس القانونية للعقود وحدود المالكين ومسؤوليتهم بالنسبة لقيمة حقوقهم في الشركة. والقانون الثاني هو الذي يسمح بإنشاء شركات مشتركة ( مساهمة ).
قانون العقود:
يؤدي غياب قوانين ولوائح تضمن تنفيذ العقود وقداستها إلى حدوث انخفاض كبير جدا ً في صفقات الأعمال، ومن الضروري أن تضمن هذه المؤسسات ( القوانين واللوائح ) حماية الموردين والدائنين والعاملين وأصحاب الأعمال وغيرهم.
نظام مصرفي تنظمه قوانين جيدة:
يعتبر توافر جهاز مصرفي سليم عنصراً لازماً من أجل توافر بورصة سليمة تعمل بكفاءة ومن أجل ضمان كفاءة الشركات. فالقطاع المصرفي يوفر رأس المال اللازم والسيولة اللازمة لنمو الشركات وتمويل عملياتها.ولذلك يتم التركيز على أهمية أسلوب ممارسة سلطات الإدارة في الجهاز المصرفي في الدول النامية حيث توفر المصارف معظم التمويل. وعلاوة على ذلك فإن تحرير الأسواق المالية قد عرّض المصارف إلى درجة كبيرة من التقلبات وإلى مواجهة مخاطر إئتمانية جديدة.
وتدعو الحاجة في هذا السياق إلى توفير الإشراف الجيد والمراقبة الفعالة على الممارسات المصرفية. وقد وضع بنك التسويات الدولية Bank for International Settelment مجموعات من المعايير المفيدة والممارسات الممتازة التي يمكن تكييفها وفقاً لأنظمة قطرية معينة لتكوين الأرضية الجديدة المناسبة للعمل في هذا المجال. ويقدم مشروع " الإطار الجديد لكفاية رأس المال " الكثير من الأساليب المرنة والجيدة لتقدير مدى كفاية رأس المال وتقدير المخاطر حتى يتم تحديد الشروط القانونية لرأس المال حسب المخاطر الموجودة.
يقدم الإطار المقترح على ثلاثة أعمدة: الحد الأدنى لمتطلبات رأس المال، والمراجعة الإشرافية لعمليات التقدير الداخلية وكفاية رأس المال في الشركة، والاستخدام الفعال المؤثر للإفصاح لتقوية انضباط السوق واستكمال الجهود الإشرافية.
آليات الخروج: الإفلاس ونزع الملكية
ليست جميع الشركات ناجحة، وهذا ما دعا إلى وجود قوانين تنظم آليات التصفية والخروج بطريقة منصفة واعتبار هذه الآليات ضرورية حتى يكون من الممكن تصفية استثمارات وتحويلها نحو منشآت منتجة قبل أن تنتهي إلى الضياع التام، ومن الضروري هنا أن تكون هناك قوانين ولوائح تلزم الكيانات المالية وغير المالية بمعايير الإفصاح عن المعلومات المتعلقة بديونها والتزاماتها، وقوانين تسمح بإجراءات سريعة وكافية للإفلاس ونزع الملكية تراعي العدالة للدائنين وغيرهم من أصحاب المصلحة.
أسواق الأوراق المالية الجيدة:
تؤدي أسواق الأوراق المالية الجيدة إلى انضباط الداخليين بإرسال إشارات الأسعار بسرعة وتمكين المستثمرين من تصفية استثماراتهم بسرعة ودون أن يتحملوا تكاليف كبيرة، وهذا بدوره يؤثر على قيمة أسهم الشركة وقدرة الشركة على الوصول إلى المال. وتحتاج سوق الأوراق المالية الجيدة إلى ما يلي:
• قوانين تحكم إصدار الأوراق المالية لحقوق ملكية وديون الشركة والاتجار فيها، وتحدد مسؤوليات والتزامات مصدري الأوراق المالية والوسطاء على أساس من الشفافية والنزاهة.
• شروط إدراج الشركات في قوائم سوق الأوراق المالية على أساس معايير مشددة للشفافية والإفصاح، ومن المفيد – في هذا الصدد – وضع سجلات مستقلة للأسهم.
• قوانين لحماية حقوق الأقلية من المساهمين.
• جهاز حكومي مزود بعدد من المشرعين المستقلين المؤهلين، وتخويلهم سلطة تنظيم عمليات الأوراق المالية للشركات وإنقاذ قوانين الأوراق المالية.
إجراءات الخصخصة الشفافة والعادلة
لا يقتصر تأثير طريقة تنفيذ الخصخصة على هيكل الملكية وحده، بل ينعكس على ثقافة الشركات في الدولة ككل، ولذلك من الضروري أن تكون هناك قواعد وإجراءات شفافة ومستقيمة وعادلة تبين كيف ومتى تتم خصخصة الشركات، لأن سوء تصميم برامج الخصخصة قد يدمر الاقتصاد ويؤثر سلباً على بيئة الأعمال.
أنظمة الضرائب الشفافة والعادلة
لابد من إصلاح أنظمة الضرائب حتى تكون عادلة وبسيطة ومستقيمة وبالتالي لا بد من القضاء على الإجراءات المعقدة التي تتكون من خطوات متعددة في إعداد التقارير المالية والتي ربما تسمح بإطلاق أيدي الموظفين والدخول في دائرة الفساد، وكذلك يجب أن تتضمن قوانين ولوائح الضرائب والإفصاح الكافي في الوقت المناسب عن المعلومات المالية وأن تطبق هذه القوانين واللوائح بدقة وفاعلية.
نظام قضائي مستقل وجيد
يعتبر النظام القضائي المستقل الذي يعمل بكفاءة أحد أهم مؤسسات الاقتصاد الديموقراطي المتجه نحو السوق، ولن تكون للإجراءات الضرورية التي سبق أن ذكرناها أو التي سيرد ذكرها فيما بعد أي أهمية تذكر في غياب نظام قضائي يقوم بتطبيق القوانين باستمرار وبكفاءة ونزاهة ويحافظ على احترامها.
ويمكن أيضاً تحسين كفاءة النظام القضائي بتوفير الموارد المالية والفنية الكافية اللازمة لتنفيذ القوانين بسرعة. بالإضافة إلى هذه المقترحات هناك طريقة بديلة لحسم النزاعات خارج المحكمة وهي طريقة التحكيم التي تخفف العبء عن المحاكم وتساعد على تحقيق السرعة في البت في النزاعات.
الإستراتيجيات المضادة للفساد
تنفيذ إجراءات فعالة ضد الفساد بتحديد وتضمين اللوائح والقواعد القانونية وتوضيح القوانين المعينة، وإتباع وتطبيق قانون المشتريات الحكومية الصادر عن " الشفافية الدولية " وتبني تعهدات منظمة التعاون الاقتصادي للتنمية المضاد للرشوة والالتزام به.
إصلاح الهيئات الحكومية
لابد من إصلاح الإدارات والهيئات الحكومية البيروقراطية ضعيفة الأداء، ومن الممكن إصلاحها من خلال تضمين وتبسيط أنظمة العمل والإجراءات الداخلية وتقييم أداء الهيئات بصفة مستمرة حسب معايير واضحة ومحددة جداً. ويجب تنفيذ الإجراءات اللازمة لتحسين أداء الهيئات الحكومية على الفور وبصفة شاملة.
تقوية قدرات الهيئات الحكومية الإدارية والتنفيذية
يمكن تقوية قدرات الهيئات الحكومية الإدارية والتنفيذية بتطوير قدرات الموظفين ورفع مستوى خبراتهم وتأهيلهم تأهيلاً جيداً، وأن يكون التوظيف والترقي على أساس معايير مهنية مؤكدة ( وعن طريق اختبارات قياسية ) وإتاحة فرص التدريب المهني للموظفين باستخدام أحدث الأساليب التقنية ودفع رواتب مجزية للموظفين تجنب المؤهلين منهم للبقاء في العمل ولا تدفعهم إلى قبول الرشاوى، وتكون الترقية حسب الكفاءة ( وليس حسب الأقدمية )، ويمكن أيضاً تحسين كفاءة النظام القضائي بتوفير الموارد المالية والفنية الكافية اللازمة لتنفيذ القوانين بسرعة.
تحديات ممارسة سلطة الإدارة في الاقتصاديات النامية والصاعدة والمتحولة
وتشمل التحديات العامة التي تواجه الاقتصاديات النامية والصاعدة والمتحولة ما يلي:
• تأسيس نظام لممارسة سلطة الإدارة يقوم على أساس القواعد ( على العكس من النظام الذي يعمل على أساس العلاقات ).
• مكافحة المصالح أو الحقوق المكتسبة.
• إنهاء ظاهرة هياكل الملكية الهرمية التي تسمح للداخليين بالسيطرة على أصول الشركات المملوكة لعدد كبير من المواطنين وتحويل هذه الأصول لتحقيق مصالحهم بقصر حقوق الملكية عليهم مباشرة.
• قطع حلقات المساهمات المتقاطعة Cross shareholdings بين المصارف والشركات.
• وضع أنظمة لحقوق الملكية تحدد بوضوح وسهولة المالكين الحقيقيين حتى ولو كانت الدولة هي المالك.
• عدم تسييس اتخاذ القرارات وتأسيس الجدران الفاصلة بين الحكومة والإدارة في الشركات المدرجة بسجل الشركات حينما تكون الدولة هي المساهم المسيطر أو صاحبة الأغلبية.
• حماية حقوق المساهمين أصحاب الأقلية.
• الوقاية من ضياع الأصول Asset stripping بعد عمليات الخصخصة الشاملة.
• العثور على المالكين النشطين والمديرين المهرة من بين هياكل الملكية المبعثرة.
• تعزيز ممارسة سلطة الإدارة في هياكل الملكية الأسرية والملكية المركزة.
• تطوير الخبرات الفنية والمهنية.
استراتيجية ناجحة لتأسيس أساليب ممارسة سلطة الإدارة في مختلف الأقاليم لأن النموذج الواحد لا يناسب الجميع
تمول كثير من المنظمات الدولية مبادرات سلطة الإدارة الهادفة إلى تنفيذ نماذج مطبقة في الدول المتقدمة، ولكن هذه المحاولات تبوء بالفشل في كثير من الأحوال ولا تساعد على إحداث التحسين المطلوب لأنها نماذج مصممة لمواجهة الواقع المحلي والتحديات المحلية، وبالتالي تصبح المجموعات الوطنية الأصلية مطالبة بتكييف النموذج الدولي حسب الظروف المحلية الموجودة.
وكانت الإستراتيجيات المختلفة تتوقف على الجوانب التالية:
• هل الحكومة مهتمة بالإصلاح ؟
• هل الحكومة تدرك القضايا المطروحة ؟
• هل توجد مراكز قوة مستقلة ( خارج الحكومة ) ؟
• هل توجد وسائل تساعد على الإصلاح مثل أسواق الأوراق المالية، وتقديرات المخاطر التي تنشرها المصارف ونظام قانوني مناسب وما إلى ذلك ؟
• ما هو مستوى الوعي العام ؟
سادساً: تجربة حوكمة الشركات في جمهورية مصر العربية:
بدأ الاهتمام في جمهورية مصر العربية بهذا الموضوع عام 2001 بمبادرة من وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية ( وزارة التجارة الخارجية حالياً ) حيث ارتأت الوزارة أن برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأته مصر منذ أوائل التسعينات لا يكتمل إلا بوضع إطار تنظيمي ورقابي يحكم عمل القطاع الخاص في ظل السوق الحر.
وعليه، تم بالفعل دراسة وتقييم مدى التزام الإطار القانوني والتنظيمي والرقابي في مصر بالقواعد والمعايير الدولية لحوكمة الشركات، وتهدف هذه الدراسة إلى متابعة وتقييم التطور الذي حدث خلال الفترة منذ أيلول عام 2001 وحتى آذار 2002 في مجال استكمال القواعد والمحددات التي تضمن التطبيق السليم لحوكمة الشركات في مصر ولازال العمل مستمرا ً في هذا الاتجاه.
في تقييم أشرف على إجرائه البنك الدولي، تم تحديد بعض مواقع القصور في نظم الشركات الخاصة المصرية ونصح بإجراء تغييرات عليها من أجل تقوية القطاع الخاص.
علنية كل من الملكية والهياكل العليا للشركات:
يجب عدم حجب معلومات عن هوية المالك أو المالكين للشركة عن العامة، كما يجب كشف كل المعلومات المالية وغير المالية والمتعلقة بالشركة والمساهمين فيها بالإضافة إلى عمليات التبادل في الشركات وإمكانياتها، وفي السياق ذاته يجب على شركات القطاع الخاص أن تقوي من دور حملة الأسهم عبر تنظيم اجتماعاتهم وأخذها بمحمل الجد، والأمر ذاته ينطبق على دور مجالس الإدارة واجتماعاتها، والهدف من وراء هذا كله، تأسيس نظم مراقبة فعال يضمن الحرفية في الأداء والعمل. وكانت الجمعية المصرية للأوراق المالية قد قامت بالاشتراك مع مركز المشروعات الدولية الخاصة عام 2001 في تنظيم مؤتمر بعنوان " مستقبل الاقتصاد المصري في ظل ممارسة مبادئ حوكمة الشركات "، وقد ساهم في رعاية المؤتمر أيضاً كل من وزارة التجارة الخارجية المصرية والبنك الدولي والمركز المصري للدراسات الاقتصادية.
وقد أقر هذا المؤتمر وجود قوانين مصرية هامة تنظم أعمال القطاع الخاص متمثلة على وجه الخصوص بالنظام رقم 2000 / 93 وعلى الرغم من وجود هذا القانون إلا أن المؤتمر أوصى ضرورة مساندته لضمان كفاءة أداء الشركات.
من أهم الملاحظات التي ذكرت في هذا المؤتمر الذي حضره أكثر من /450/ شخصاً ضرورة الإسراع بتقديم كل من مشروع قانون سوق الأسهم الجديد مع الحث على استحداث فصل فيه يقنن عمل الشركات الخاصة وكذلك إصدار مشروع قانون المحاسبة والمراجعة. وقانون الثقة وتقديمهم إلى مجلس الشعب المصري من أجل إقرارها وسن التشريعات المرتبطة بها، كما أوصى المؤتمر المشار إليه بضرورة الانتهاء من مشروع قانون الشركات الموحد وتنظيم مبادئ المحاسبة والرقابة الذاتية في الشركات الخاصة، وانتهى المؤتمر إلى تسليط الضوء على ضرورة القيام بحملة توعية حول اقتصاد السوق الحر وأهمية دور القطاع الخاص فيه. وكان من أهم ما أوصى به المؤتمر في هذا الخصوص ما يلي:
• إيجاد مصطلح في اللغة العربية بعكس المعنى المقصود من الكلمة الإنكليزية Corporate Governance ومن ثم ترسيخ هذا المصطلح في الثقافة العربية العامة وشرحه وتوضيح مقاصده وذلك من خلال عقد مؤتمرات حوله وإصدار مطبوعات تعني بشرح المصطلح وتفسير جوانبه.
• تأسيس معهد إقليمي للمديرين في مصر بهدف التدريب على نشر الوعي حول مبادئ حوكمة الشركات والتعرف على مبررات تطبيقها وضرورات إصلاح الشركات والقطاع الخاص.
• وضع هيكل تنظيمي لمعهد أو مركز للحوكمة على أن تنظم الشركات الخاصة المسجلة في بورصتي القاهرة والإسكندرية لهذا الإطار الهيكلي الجديد. ومن الجدير بالذكر فأن وزارة التجارة الخارجية المصرية قد قامت بوضع خطة عمل لعام 2002 تهدف إلى تطبيق مبادئ حوكمة الشركات الخاصة وتقنينها. وبعد هذا الإجراء الوزاري عملاً مهماً في مجال الاستجابة لتوصيات المؤتمر واقتراحاته.
ومن جانب آخر قامت الجمعية المصرية للأوراق المالية بإجراء استطلاع رأي لتعزيز الوعي العام بين أعضائها حول حوكمة الشركات وتعمل حالياً بالتعاون مع عدة جمعيات أعمال أخرى والمركز المصري للدراسات الاقتصادية على تنظيم ست ورش عمل بهذا الخصوص تهدف إلى:
• إيجاد إطار قانوني وتشريعي لمبادئ حوكمة الشركات في مصر.
• خلق دور للمحاسبين المستقلين في تطبيق مبادئ المحاسبة والمراجعة يتماشى مع أسس وقوانين المحاسبة الدولية.
• تعزيز دور حملة الأسهم وحماية حقوقهم.
• تعزيز مبادئ الشفافية والإفصاح والمسؤولية المهنية.
• قيام الأطراف المتعددة ذات المصلحة بدورها في مجال تطبيق مبادئ حوكمة الشركات.
• محاربة الممارسات غير القانونية من قبل الشركات المسجلة.
ولا بد أن نشير إلى أنه سبق أن تمت إقامة العديد من الندوات العلمية وورشات العمل على المستوى العربي في القاهرة 2004، ومن قبل المنظمة العربية لخبراء المحاسبة القانونيين العرب عام 2006 بالتعاون مع وزارة الاستثمار المصرية وبورصة القاهرة في موضوع حوكمة الشركات، إضافة إلى مؤتمرات علمية في الجامعات الأردنية (جامعة أربد الأهلية – آب 2006).
سابعاً: مقترحات من المناسب تغطيتها مستقبلا ً في التشريعات لتطبيق حوكمة الشركات
1- مجلس الإدارة:
أ- عند التصرف في أصول الشركة ( بما يزيد على 25% ) يجب العرض على الجمعية وأخذ موافقتها.
ب- يجب الإفصاح عن أسماء أعضاء مجلس الإدارة وما يتلقوه من تعويضات كل سنة (وليس فقط المخصصات والبديلات) والنشر عنها في تقرير مجلس الإدارة الذي يقدم للجمعية.
ج-التأكيد على فكرة أعضاء مجلس الإدارة غير التنفيذيين أو المستقلين (Non- executive director) غير موجودة بشكل واضح أو منتشرة (وقيام رئيس مجلس الإدارة بمهمة العضو المنتدب في ذات الوقت) الفصل بين الملكية والإدارة.
د-يجب النشر عن نسبة حضور أعضاء مجلس الإدارة لاجتماعات المجلس في السنة حتى يكون المساهم على بينة ممن العضو الذي يعطي وقتاً كافياً لإدارة الشركة الموجود على مجلس إدارتها.
ﻫ- قيام الإدارة بالنشر عن المقترحات البديلة التي تقدم وتوزيعها على المساهمين على نفقة الشركة.
2- الجمعيات العمومية:
أ- إدخال نظام إقامة الدعوى الفئوية نيابة عن مجموعة أو طبقة من الأشخاص Class action والتي يستفيد منها كل الأشخاص الذين في نفس الموقع، حتى لو لم يشاركوا في الدعوى.
ب- التصويت في الجمعيات العمومية بطريقة اليكترونية وليس فقط عن طريق توكيل مكتوب، إلا أن ذلك مرتبط بصدور قانون للتوقيع الاليكتروني وكذلك التصويت عن طريق البريد.
ج- النشر في المواعيد وعدم التأخير في ذلك النشر للقوائم المالية والتقارير المختلفة ووضع جزاء عند التأخير Late filing .
د- يجب الإفصاح عن هيكل الملكية- تصويت المجموعات المرتبطة aggregating إذا زادت عن 5% من الأسهم.
ﻫ- الإفصاح عن هيكل الملكيات والملكيات المتداخلة cross-shareholding حتى يمكن معرفة المصالح الجوهرية لكل مساهم .
3- المساهمين :
أ- يجب الإفصاح عن المالك المسجل والمستفيد في قوائم الملكية وأن يتضمن التقرير السنوي بياناً بذلك حتى يعلم باقي المساهمين بهيكل الملكية في الشركة والمصالح المختلفة .
ب- إقامة موقع على الشبكة web site ليتم نشر البيانات والمعلومات الخاصة بالشركة عليه، وذلك لتسهيل حصول المساهمين والكافة على تلك المعلومات .
ج- الإفصاح عن هياكل الملكية والمالك النهائي لأية أسهم (يتم ذلك عن طريق سجل الأسهم وفي التقرير السنوي) ونسبة ملكية كل شخص يمتلك 5% فأكثر من أسهم الشركة .
د- يجب إيجاد سجل خاص يوضح من هو المالك المستفيد من الأسهم، ويكون تحت نظر المساهمين – ليس فقط في الجمعيات العامة – وإنما في تقرير المجلس .
ﻫ- الاتفاقيات الخاصة Lock outs أو القضايا ذات الأهمية الخاصة يجب الإعلان والإفصاح عنها .
4- الأقليات والجماعات ذات المصالح :
أ- كيفية تحديد معنى القيمة العادلة وأثر ذلك على إنشاء نظام تملك العاملين لأسهم الشركة SHARE OPTION PLAN .
ب- زيادة الحماية للأقليات من المساهمين بإدخال طريق التصويت التراكمي، إقامة جمعيات لحماية مصالحهم وتمثيلهم وأن يكون لهم مقعد في مجلس الإدارة .
ج- إدخال نظام تملك العاملين لأسهم الشركة SHARE OPTION PLAN.
5- المحاسبة :
أ- يجب حظر مساهمة مراقب الحسابات في الشركة التي يراجع حساباتها .
ب- تفعيل إنشاء لجان مراجعة داخلية في الشركات للقيام بأعمال مراجعة ومراقبة الحسابات والتعليق على تقرير مراقب الحسابات في الجمعيات العمومية ولمعرفة هل سيتم بالجدية والمصداقية .
ج- دور نقابة أو جمعية المحاسبين القانونيين في مراقبة أعمال أعضائها والسلطة الخاصة التي يجب أن تمنح لها للقيام بهذا الدور .
د- أن يتضمن تقرير مراقب الحسابات جزء من مخاطر السوق كسعر العملة والعمليات التي تتم خارج القوائم المالية off blance sheet transaction وأن يحدد هل أقامت الشركة النظم التي تمكنها من مواجهة تلك المخاطر .
ﻫ- ضمان نقابة أو جمعية المحاسبين القانونيين في استمرار الرقابة على المحاسبين لأداء مهامهم بشكل سليم، استناداً لميثاق شرف .
و– إنشاء لجان مراجعة داخلية يكون من ضمن مهامها مراقبة تنفيذ قواعد "حوكمة" الشركات من إدارة الشركة .
6- مقترحات :
أ- ضرورة الإسراع بإصدار قانون الشركات وتعديل قانون البينات وإصدار قانون التوقيع الالكتروني وقانون التجارة الالكترونية.
ب- موضوع الإفلاس وإعادة الهيكلة – تغيير قوانين الإفلاس الحالية لتتضمن التأكيد على إعادة الهيكلة وليس التصفية .
ج- تأسيس معهد أو إقامة دورات تدريبية للمديرين وأعضاء مجالس الإدارة "حوكمة" الشركات لزيادة الوعي لديهم بهذا الموضوع الحساس .
د- إنشاء نوع جديد من الأسهم الممتازة التي لا تتمتع بحق التصويت Non voting shares .
ﻫ- تنمية ثقافة الإدارة الرشيدة وحوكمة الشركات من خلال إقامة المزيد من الندوات العلمية وورشات العمل في مثل هذه الموضوعات الهامة لاسيما في ظل عملية الإصلاح الاقتصادي التي تشهدها سورية في جميع المجالات بقيادة الرئيس بشار الأسد.
بحث علمي ودراسة تحليلية عملية
حوكمة الشركات وأهميتها في جذب الاستثمارات
وتنمية الموارد البشرية
إعداد
المحاسب القانوني
الأستاذ الدكتور محمد خالد المهايني
أولا ً- المقدمة
تأتي أهمية هذا البحث من أهمية المحاور التي سيتناولها، حيث يتم تسليط الضوء على ضرورة العمل بحوكمة الشركات (حوكمة المنظمات والمؤسسات) واتخاذ الإجراءات اللازمة والسبل العلمية السليمة لتعزيز وتفعيل دورها في ظل العولمة، ففي الوقت الذي تكون لشفافية الإجراءات والعدالة ومعاصرة القوانين وتكييف البيئة التشريعية الأثر الإيجابي الملموس، تكون البيروقراطية والروتين عائقا ً للتعامل ومواجهة العولمة، وبهدف جذب المستثمرين لداخل بلدنا لا بد من توافر الجهة الضامنة لحماية هؤلاء المستثمرين من حملة الأسهم وأصحاب المصالح.
وتتجسد مشكلة البحث في رغبة مجتمعات الدول النامية، ومنها الدول العربية، للتعامل مع العو