هناك ملايين العمليات التي تتم بين الأفراد و الجماعات و المؤسسات و الدول، و التي تقاس قيمتها بمئات العملات المختلفة، و قد مر الفكر التسويقي بمجموعة من المراحل كانت لها تأثير على فلسفة و تكوين الأنشطة التي تؤديها إدارة المؤسسة و مدى اهتمامها بالوظيفة التسويقية، ويمكن التمييز بين فلسفات أساسية تحكم تفكير الإدارة في نظرتها للسوق و بالتالي تؤثر على أدائها التسويقي. و يمكن التعرض لمراحل تطور التسويق على النحو التالي :
1- فلسفة التوجه بالإنتاج.
2- فلسفة التوجه بالمنتج.
3- فلسفة التوجه بالبيع.
4- فلسفة التوجه بالتسويق.
5- فلسفة التوجه الاجتماعي للتسويق.
-1 فلسفة التوجه بالإنتاج :
تعد أقدم الفلسفات التي حكمت تفكير الإدارة في نظرتها للسوق، فهي تنص على أن المستهلك منحاز بشكل أساسي للمنتجات المنخفضة السعر، و المتاحة في السوق على نطاق واسع، و من ثم فالاهتمام الأساسي للإدارة هو تحقيق الكفاءة الإنتاجية العالية و التغطية الواسعة للسوق، و يسود هذا التوجه في ظروف السوق المتميزة بزيادة الطلب عن العرض، حيث يهتم المستهلك أساسا بالحصول على السلعة بغض النظر عن الجودة. و كذلك المتميزة بارتفاع تكلفة الإنتاج حيث تسعى الإدارة لتخفيضها من خلال زيادة الكفاءة الإنتاجية بهدف توسيع السوق.
-2 فلسفة التوجه بالمنتج:
و تنص على أن المستهلك ينحاز إلى المنتجات ذات الجودة العالية، و تركز الإدارة على تصنيع المنتجات ذات الجودة المرتفعة و تحسينها باستمرار، و يفترض المديرون أن المشترين لديهم الاستعداد لدفع سعر أعلى مقابل الجودة الأعلى، و من الضروري الإشارة إلى أنه حسب هذا المفهوم يفترض أن المستهلك هو الذي يبحث عن السلعة و عليه فإن المنتجين لا يبذلوا إلا الجهد البسيط في التعريف بمنتجاتهم .
-3 فلسفة التوجه بالبيع:
كانت السمة البارزة لسنوات الثلاثينات و الأربعينات الضغوط الواضحة من جانب الإدارة على عمليات البيع، وأصبح الإعلان عن السلعة سمة مميزة لعدد كبير من الشركات، و بدأت إدارة المشتريات في العمل على تحسين نظم التوزيع للسلع المنتجة من خلال بناء شبكات قوية للتوزيع من تجار الجملة وتجار التجزئة، و لم يكن هناك أية بحوث للمستهلكين بالمعنى المعروف.
و كان دور مدير المبيعات أن يبيع ما تنتجه المؤسسة من خلال إدارة الإعلان في المؤسسة التي يرأسها مدير الإعلان مستقلا عن إدارة البيع، وكان على قسم الإنتاج أن يقوم بتخطيط و تصميم المنتجات وفقا لأسس فنية بحتة، وكنتيجة لذلك لم يعط الاهتمام الكافي للعملية التسويقية كجهد متكامل.
و في هذه المرحلة ظهر المفهوم البيعي تحت شعار " فلنتخلص مما لدينا من مخزون "، افترض هذا المفهوم أن المشتري لن يقوم بعملية الشراء و لن يشتري بشكل كاف إذا لم توجه المؤسسة إلى شرح و توضيح ما يجنيه من مزايا من السلع والخدمات الخاصة بها. و يبنى هذا المنطلق على:
• أن العملاء لديهم اتجاه طبيعي إلى مقارنة شراء أي شيء لا يمثل ضرورة ملحة بالنسبة لهم.
• أن المستهلك يمكن أن يشتري أكثر من خلال عملية الإقناع.
• أن على المؤسسة أن تنظم قسما بيعيا قويا لجذب العملاء و الاحتفاظ بهم.
-4 فلسفة التوجيه بالتسويق:
انتشر المفهوم التسويقي في مؤسسات الأعمال كفلسفة بديلة عن الفلسفات السابقة، و تقوم على تكامل وتعاون كل الأنشطة التسويقية لتحقيق الهدف المزدوج للمؤسسة و هو إشباع حاجات و رغبات المستهلكين، و زيادة الأرباح طويلة الأجل.
و بالرغم من اختلاف العديد من الكتاب قي تفسير المفهوم التسويقي إلا أنه بصفة أساسية يتكون من النقاط التالية:
أ. التركيز على السوق: يعمل اختيار السوق المستهدف نقطة البداية لأي نشاط تسويقي، فلا يمكن للمؤسسة أن تعمل في كل السوق، و تخدم كل حاجة لدى المستهلك، كما أنه من غير المنطقي أن يعامل السوق كوحدة واحدة دون وجود اختلافات بين أفراده، و من ثم على المؤسسات أن تعرف أسواقها المستهدفة بدقة، و تقوم بتفصيل برنامج تسويقي ملائم لهذا السوق.
ب. التوجه بالمستهلك: إن الاهتمام باحتياجات و رغبات المستهلك هو المدخل الحقيقي للنجاح التسويقي، فبالرغم من نجاح بعض المؤسسات في تحديد أسواقها بدقة، إلا أنها تظل غير قادرة على التفكير تسويقيا، أي أنها غير موجهة باحتياجات المستهلك. لذا يحتاج التوجه بالمستهلك على المؤسسة أن تحدد احتياجات المستهلك من وجهة نظره، و سلعا مشبعة لرغبته بالخصائص التي يريدها، و يتم ترجمة ذلك من خلال المبيعات التي تحققها المؤسسة. و تحقق هذه المبيعات من خلال الشراء الجديد ( مستهلكين جدد )، و إعادة الشراء (مستهلكين مداومين)، وبطبيعة الحال يمكن القول بأن الاحتفاظ بالمستهلك و حثه على إعادة الشراء يعتبر مهمة صعبة لرجل التسويق من جذب مستهلكين جدد، فالمدخل الرئيسي للاحتفاظ بالعملاء هو إشباع احتياجاتهم، فالمستهلك الذي يتحقق عنده الإشباع سوف:
- يقوم بإعادة الشراء.
- ينقل اتجاهاته المفضلة تجاه المؤسسة و منتجيها إلى الآخرين.
- يعطي انتباه أقل لمنتجات المنافسين.
- لا يقوم بشراء منتجات المؤسسات الأخرى.
و لذا فإن الاهتمام بإشباع احتياجات المستهلك هو الهدف النهائي لأي مؤسسة، و الذي تتحقق من خلال. بل أن أحد رجال الأعمال اليابانيين ذكر أن هدفنا تخطي مرحلة إرضاء المستهلك إلى إسعاد المستهلك .
و يلاحظ أن هدف إسعاد المستهلك، أعمق و أعلى مستوى من مجرد إشباع المستهلك و مقابلة توقعاته، فالمستهلك السعيد هو خير معلن للشركة و منتجاتها و يعتبر تأثيره أقوى من القيام بالإعلان في الوسائل الإعلانية.
ج. التسويق المتكامل:
طبقا للمفهوم التسويقي فلا بد أن يكون هناك تكامل و تنسيق بين الوظائف المختلفة في المؤسسة تجاه تحقيق أهدافها، فطالما أن منتجات المؤسسة موجهة ناحية إشباع احتياجات المستهلك، فإن نقطة الارتكاز الرئيسية في تخطيط أوجه النشاط المختلفة داخل المؤسسة ينبغي أن تكون مبنية على تأثير كافة القرارات الإدارية المتخذة، و على مدى نجاحها في إشباع احتياجات المستهلك و رغباته.
و يمكن أن يتحقق التكامل المطلوب بين جميع الوظائف المؤداة داخل المؤسسة من خلال وجود هدف عام للمؤسسة يسعى إلى تحقيق الأرباح و تلبية احتياجات المستهلكين.
و يتمثل البعد الثاني في التسويق المتكامل في ضرورة و جود تكامل بين الوظائف التسويقية للمؤسسة
( تسعير، إعلان، توزيع )، فلا يمكن أن تقوم إدارة الإعلان بوضع خطة الإعلان بدون الأخذ في الاعتبار طبيعة السلعة، وأساليب التوزيع، وجهود البيع المبذولة في المناطق. و بطبيعة الحال يجب ضم جميع الأنشطة و الأقسام التي تزاول نشاطا تسويقيا في المنظمة، داخل إدارة واحدة تسمى إدارة التسويق حتى يتحقق التكامل و التنسيق بين جميع أوجه النشاط التسويقية تحقيقا للأهداف المتعلقة بإشباع احتياجات و رغبات المستهلكين.
د. التوجه بالأرباح:
إن الغرض من تطبيق فلسفة المفهوم التسويقي هو مساعدة المؤسسات على تحقيق أهدافها، وتختلف هذه الأطراف باختلاف طبيعة عمل المؤسسة، ففي مؤسسات الأعمال، الهدف هو تحقيق الأرباح، أما في حالة مؤسسات غير الأعمالية و المؤسسات العامة فإن تقديم خدماتها و توفير الموارد اللازمة لذلك يمثل محور اهتمامها.و لذا فإن تركيز الإدارة يجب أن يكون على تحقيق الأرباح طويلة الأمد من خلال إرضاء المستهلك، و ليس الاهتمام فقط بحجم المبيعات و الأرباح قصيرة الأجل، و يستند هذا المفهوم على فكرة مؤداها أن قبول و رضاء المستهلك لمنتجات المؤسسة هو الضمان الوحيد لبقائها و استمرارها في السوق و تحقيها للأرباح.
ان المؤسسة تعتمد على مفهومين هما:
المفهوم البيعي: حيث أن المصنع يعتبر كنقطة بداية للمنتوج و أن تركيز المؤسسة يكون على المنتجات و تكون الوسيلة المعتمدة هي البيع و الترويج للمنتجات لكي تجد مكان في السوق و تحقق نسبة من الأرباح و جلب الزبائن لها، و تحقيق اكبر قدر من الأرباح و هذا من خلال حجم المبيعات المقدرة في السوق.
المفهوم التسويقي: فيعتبر أن السوق هو نقطة البداية حيث أن سوق يحتوي على المستهلكين و على معلومات حول الإنتاج و المنتوج ، ثم تركز على حاجات و رغبات المستهلكين، و تعتبر وسيلة التسويقية في دمج الأنشطة التسويقية بمختلف المنتجات، و الهدف من هذا كله هو تحقيق الأرباح كبيرة مع إرضاء الزبون.
-5 فلسفة التوجه الاجتماعي للتسويق:
يرى أنصار هذا الاتجاه أن التسويق كنشاط تجاري فاعل و مؤثر ينبغي أن يلعب دورا مهما في رفع مستوى معيشة الأفراد في المجتمع، صحيح أن النشاط التسويقي من خلال توفيره للسلع و الخدمات يقدم مردودا إيجابيا للمستهلك، لكن أنصار هذا المفهوم يقولون أن هذا المردود لا يصيب إلا نفرا قليلا من البشر القادرين على اقتناء السلع و الخدمات بالأسعار العالية أي أن المنتجين ابتعدوا عن جوهر المفهوم التسويقي لكل كرسوا جل اهتماماتهم لإرضاء شريحة محدودة من المستهلكين على حساب الشرائح الأكبر، ويستند هذا المفهوم على عدد من الفروض المنطقية منها:
• رسالة المشروع تتمثل في إشباع احتياجات و رغبات المستهلكين و المساهمة في تحسين مستوى الحياة و نوعيتها.
• سيتعامل المستهلك مع المؤسسات التي ترعى مصلحته إلى جانب مصلحة المجتمع في الوقت نفسه.
• إن المجموعات التي يأخذها هذا المفهوم في الاعتبار هي المشروع و المجتمع.
و منه يمكن النظر إلى هذا المفهوم على أنه تعبير عن مرحلة وقائية تفرض على الصانعين و المسوقين ضرورة الاهتمام بالموارد الطبيعية كالطاقة و البيئة و المحافظة عليها من التلوث و ذلك من أجل توفير حياة أفضل لكل الناس، وهذا ما يعرف بالمفهوم الإنساني للتسويق، و كذا مفهوم الاستهلاك الذكي، و حتمية المفهوم البيئي للتسويق، و ينص على مهمة المؤسسة المتمثلة في تحديد احتياجات و رغبات العملاء في السوق المستهدف، و العمل على إشباع هذه الاحتياجات و الرغبات بكفاءة و فعالية أكير من المنافسين بالشكل الذي يحافظ على رفاهية المستهلك و المجتمع في الأجل الطويل .