جامعة الزيتونة الاردنية
كلية الاقتصاد والعلوم الادارية
المؤتمر العلمي الدولي السنوي السابع بعنوان:
"ادارة المخاطر واقتصاد المعرفة"
16 – 18 نيسان (ابريل) 2007
ورقة عمل
ادارة المخاطر في المصارف الاسلامية
اعداد
أ.د. غالب عوض الرفاعي أ. فيصل صادق عارضه
المحتويات
الموضوع
الصفحة
الفصل الاول : مقدمة
الفصل الثاني : المخاطر العالمية الاساسية التي تعاني منها كافة المصارف الاسلامية
أ- مخاطر المقرض الاخير
ب- الكادر الوظيفي
الفصل الثالث: المخاطر المشتركة في المصارف الاسلامية
اولاً: المخاطر الناجمة عن طبيعة المتعاملين مع المؤسسات المصرفية الاسلامية
ثانياً: المخاطر الناجمة عن طبيعة ونوعية الامكانيات الاستثمارية المتاحة
ثالثاً: المخاطر الناجمة عن نظم اساليب العمل في المؤسسات الاستثمارية الاسلامية
الفصل الرابع: المخاطر الخاصة ببعض صيغ الاستثمار الاسلامي
اولاً: مخاطر التمويل بالمشاركة
ثانياً: مخاطر التمويل بالمضاربة
ثالثاً: مخاطر التمويل بالمرابحة
رابعاً: مخاطر التمويل بالاجارة
خامساً: مخاطر التمويل بعقد الاستصناع
الفصل الخامس: الآثار العامة للمخاطر على العمل المصرفي الاسلامي
اولاً: الاعتماد على صيغة استثمار معينة
ثانياً: التوجه نحو الاستثمارات قصيرة الاجل
ثالثاً: الاعتماد على الضمانات التقليدية
الفصل السادس:
أ- النتائج
ب- التوصيات
ج- مراجع البحث
الفصل الاول
المقدمة :
قالت مديرة المنتدى المالي الاسلامي العالمي في بيان تلقته وكالة الانباء الاردنية بترا ونشرته جريدة الغد الاردنية الصادرة في 12/11/2006 وذلك قبل افتتاح اعمال المنتدى في زيورخ السويسرية يوم الاثنين 13/11/2006 لبحث استراتيجيات ادامة وتحسين النمو المثمر الذي يشهده القطاع المصرفي الاسلامي "ان البنوك الاسلامية تتمتع بقيمة سوقية مجمعة تقدر بنحو 13 بليون دولار واصول تساوي نحو 265 بليون دولار واستثمارات تتجاوز 400 بليون دولار وايداعات بنحو 202 بليون دولار".
واشارت مديرة المنتدى كريستيانا تسيترو الى ان هناك فرص هائلة للإستثمار في هذا القطاع بوجود 300 الف مليونير في الشرق الاوسط تبلغ ثرواتهم حوالي 1.4 تريليون دولار.
ويرى اقتصاديون اوروبيون ان على البنوك الاوروبية تطبيق المبادئ المصرفية والمالية المتوافقة مع الشريعة الاسلامية ان هي ارادت زيادة الايداعات من الاموال العربية فيها .
واخذت العديد من الدول هذه التصريحات على محمل الجد ، وبعضها اخذ باجراء بعض التطبيقات العملية على ارض الواقع، ففي بريطانيا تم افتتاح اول بنك الاسلامي تحت مسمى البنك البريطاني الاسلامي يمتلك فيه بنك قطر الدولي الاسلامي الحصة الاكبر، كما يعمل بنك قطر الاسلامي "كما افادت صحيفة الغد في عددها الصادر بتاريخ 7/11/2006 على انهاء الاجراءات التنفيذية المتعلقة بتأسيس بيت التمويل الاوروبي ومقره لندن ايضاً. اما في ماليزيا فبالاضافة الى انطلاق العمل بالتراخيص التي منحها البنك المركزي الماليزي لكل من بيت التمويل الكويتي ومصرف الراجحي حصل كونسورتيوم يضم بنك قطر الاسلامي وبنك رصد الاستثماري وبيت الاستثمار العالمي الكويتي على رخص تأسيس مصرف اسلامي جديد تحت مسمى "بنك التمويل الآسيوي" برأس مال 100 مليون دولار.
وفي دول مجلس التعاون الخليجي على وجه التحديد فقد اشار تقرير اعدته مجموعة الاقتصاد والاعمال ونشرته في عددها الاخير الى انه بلغ عدد المصارف الاسلامية في دول مجلس التععاون الخليجي 19 مصرفاً بنهاية العام 2005 وباجمالي اصول قدرة نحو 87 بليون دولار، وبلغ اجمالي حقوق المساهمين 13.7 بليون دولار في حين وصلت الارباح الصافية الى 3.4 بليون دولار، واشار التقرير الى ان هذه الارقام تشمل البنوك الاسلامية فقط ولا تشمل نشاط النوافذ الاسلامية لدى البنوك التقليدية .
وتدل هذه التقارير وهذه المعطيات على مدى نجاح المصارف الاسلامية وما حققته من نجاحات في توفير مختلف الأدوات والخدمات المصرفية الاسلامية سواء في قطاع صيرفة الافراد، بحيث حلّت المرابحة والاجارة بديلاً عن القروض الشخصية والقروض السكنية وقروض السيارات ، كما تم كذلك ابتكار البديل الشرعي عن بطاقات الائتمان التقليدية، وكذلك بالاضافة الى دخول المصارف الاسلامية في مجال التمويل طويل الاجل وتفعيل خدماتها المالية والاستشارية بالتلازم مع عمليات التمويل وادارة القروض قاطفة ثمار ثورة المشاريع.
والمتتبع لاستمرارية النجاح والمحافظة على التقدم الذي تشهده سيرة العمل المصرفي الاسلامي ، يلاحظ ان غالبية المصارف الاسلامية غالباً ما تضع نصب اعينها ثلاثة اركان او ثلاثة قواعد تعمل جاهدة على مراعاتها في جميع الاحوال وهذه الاركان هي :
- الاولى : السيولة:
وهي مدى قدرة المصرف على مواجهة التزاماته الطارئه دون التعرض لخسائر جسيمة اذ لا تستطيع هذه المصارف من تأخير صرف شيك مسحوب عليها او دفع وديعة عند الاستحقاق ، لأنه لو حدث هذا واشيع الخبر بين المتعاملين والمودعين لانهالت عليها طلبات السحب المفاجئة واذا لم يستطع المصرف القيام بمواجهة هذه الطلبات لحصلت الكارثة، مما قد يعرض لأعلان حالة الافلاس، والشواهد على ذلك كثيرة.
وتحرص المصارف الاسلامية اكثر من غيرها على هذه الخاصية (السيولة) لأنها لا تستطيع كغيرها من البنوك التقليدية الاقتراض من المؤسسات المالية الاخرى، حيث ان المصارف الاسلامية تفتقر الى ما يسمى المقرض الاخير او بعبارة اخرى عدم وجود بنك مركزي اسلامي يرعى المصارف الاسلامية .
- الثانية : الربحية :
فعلى الرغم من هاجس الربح التي تسعى المصارف الاسلامية الى تحقيقه وذلك من خلال سعيها لتوسيع قاعدة الائتمان لديها الى ان مخاوف السيولة غالباً ما تحد من نشاطها في التوسع بمنح ائتمان لمشاريع طويلة الامد، فهاجس السيولة وحساسية السيولة لدى المصارف الاسلامية يحد في بعض الاحيان من توسيع حجم الائتمان لديها مما يؤدي بالتالي، في بعض الاحيان من التقليل من نسب الربحية لديها .
وفي المقابل فإن السيولة الفائضة والزائدة عن الحاجة في حالات اخرى قد تحد كذلك من نسب الربحية اذا لم يستطيع المصرف من استثمار سيولته بالحدود المعقولة في السوق المصرفي .
- الثالثة : الامان:
وحيث ان المصرف يعتمد في استثماراته على اموال المودعين لأنها تشكل الغالبية العظمى من سيولة المصرف خاصة ان موارده الذاتية (رأس المال و الاحتياطيات) لا تمثل في الغالب اكثر من 10% من اجمالي موجوداته، وهذا يعني شدة المخاطر في اموال المودعين ، فإذا ما قام المصرف بتوظيف معظم هذه الاموال في الائتمان المصرفي ، وهو استخدام اقل سيولة واكثر خطر من غيره من الاستخدامات الاخرى ، لأتضح لنا ان البنك لا يستطيع ان يتحمل خسارة تزيد عن حجم رأسماله واحتياطياته، وإلا فإن الخسارة ستمتد الى اموال المودعين وهنا تكون الكارثه.
الفصل الثاني :
المخاطر العالمية الاساسية التي تعاني منها المصارف الاسلامية:
اهم السمات للمصارف الاسلامية هي :
1- انها بنوك متعددة الوظائف، فهي تودي دور البنوك التجارية وبنوك الاعمال وبنوك الاستثمار وبنوك التنمية.
2- لا تتعامل بالائتمان، فهي لا تقرض ولا تقترض ولا تتعامل بالفوائد اخذاً او عطاءاً بل تتعامل على اساس تحمل المخاطر والمشاركة في الربح.
3- العلاقة بينها وبين متعامليها علاقة مشاركة ومتاجرة .
4- لا تستخدم الاموال بصورتها النقدية وانما تتعامل بالأعيان (سلع) وعمليات متاجرة .
5- تنظر الى المال من حيث كونه خادماً للعميل وليس سيداً له يتحمل ويشارك في المخاطر التي يتحملها وحده.
وعلى الرغم من هذه السمات الرفعية التي يتحلى بها المصرف الاسلامي ، الا انه وفي تقديرنا ان المصارف الاسلامية في كافة انحاء العالم تعاني من معضلتين اساسيتين ينجم عنها في حالات عدة مخاطر عديدة وخطيرة وهي :
أ- البنك المركزي الاسلامي (المقرض الاخير).
ب- الكادر الوظيفي.
أ- مخاطر المقرض الاخير :
ان المتتبع لميزانيات واستثمارات المصارف الاسلامية يلاحظ ما يلي :
1- الاحتياطيات: فتشير ميزانيات المصارف الاسلامية الى كثرة الاحتياطيات وتعددها في ميزانياتها ، منها احتياطي الزامي ، واحتياطي اختياري واحتياطي مخاطر الاستثمار وما الى ذلك ، وكذلك في بعض المصارف انشأت ما يسمى "صندوق التكافل والتضامن" ، وكل هذه الاحتياطيات و الاحتياطات التي تتحوط به المصارف الاسلامية هو خوفها من شح السيولة في حالة تعرضها الى هزة – لا سمح الله – وتعرضها الى سحب مفاجئ من ودائعها، فلا بد ان تلجأ الى مصادر داخلية تستطيع ان تعوض هذه السحوبات وذلك كله لعدم وجود "المقرض الاخير" لهذه المصارف تعتمد عليه لاسعافها في حالة الهزات والازمات. في حين ان المصارف التقليدية لديها الكثير من الوسائل التي قد تلجأ اليها في حالة الازمات حيث تقوم المصارف المركزية باسعاف هذه المصارف بعدد وسائل منها:
- القروض النقدية.
- الاستفادة من عملية الخصم واعادة الخصم.
- اللجوء الى الاحتياطي النقدي.
وغيرها من وسائل تسييل موجوداتها والتي في غالبيتها محظورة على المصارف الاسلامية لأن النظام الخاص بهذه المصارف لا يسمح لها الاستفادة من هذه الوسائل .
ب- الكادر الوظيفي :
فعلى الرغم من ان المصارف الاسلامية بدات بممارسة اعمالها في العصر الحاضر، منذ عام 1975، الا انها تعاني حتى الان من نقص في الكوادر المدربة الماهرة القادرة على العمل المصرفي الاسلامي بأسسه التي انشئ من اجلها .
ولا يخفى على احد مدى خطورة العامل البشري على مدى نجاح او عدم نجاح اي مؤسسة، فالعامل البشري من اخطر العوامل على مسيرة المؤسسة، خاصة في عصرنا الحاضر عصر الديمقراطيات والانفتاح الاقتصادي وما الى ذلك من تبعات للعولمة.
وخطورة العامل البشري لا تكمن في اتقانه للعمل فحسب بل في الانتماء للمؤسسة التي يعمل بها، في الاندماج في المؤسسة التي يعمل بها ليكون ممثلاً لها في كل الاوقات في حله و ترحاله في بيته وفي الشارع مع اصدقائه واهله وفي كل مجال من مجالات الحياة ليكون المرآة التي تنعكس عليها صورة المؤسسة التي يعمل بها وخاصة في المؤسسات المالية المصرفية الاسلامية التي من ضمن اهدافها التنمية الاجتماعية والتي تسير جنب الى جنب مع التنمية الاقتصادية ، بل انها تهتم في بعض الحالات بالجانب الاجتماعي اكثر من الجانب المالي، والامثلة على ذلك كثيرة هنالك مؤسسات مصرفية اسلامية هدفها الاساسي العمل الاجتماعي كبنك ناصر الاجتماعي في مصر ، والقروض الحسنة التي تمنحها المصارف الاسلامية لأغراض اجتماعية محضة.
ومن المؤسف حقاً ان المصارف الاسلامية لا تزال حتى هذه اللحظة تعتمد في كوادرها على استقطاب موظفي البنوك التقليدية وفي بعض الحالات توليهم مراكز قيادية، ناسين او متناسين ان العمل المصرفي الاسلامي يختلف اختلافاً كلياً عنه في المصارف التقليدية الا في حالات بسيطة جداً ، وهذه الحالات لا تندرج ضمن العمل المصرفي المحض بل يمكن القول تندرج تحت العمل الاداري الى حد ما ، ويمكن النظر الى هذه المعضلة من زاويتين هما :
1- اختيار الموظفين: اذ يجب ان تكون هنالك مقاييس خاصة ومواصفات معينة للموظف الذي يرغب في العمل المصرفي الاسلامي مسترشدين بقوله تعالي : "قالت يا ابت استأجره ان خير من استأجرت القوي الامين" ، والموظف القوي الامين هو الذي تحتاجه المصارف الاسلامية، وهاتان الكلمتان (القوي والامين) يصلحان لكي يكونا دستوراً كاملاً لاختيار الموظف القوي ، القوي في ايمانه ، القوي في ضميره ، القوي في حجته، القوي في اخلاصه ، والقوي .. الى ما لا نهاية، والامين الامين على مصالحه والامين على مصالح الغير والامين على مصالح المؤسسة التي يعمل بها والامين مع نفسه والامين مع غيره والامين ... الى ما لا نهاية.
2- تدريب الموظفين : ولآن الله يحب اذا عمل احدكم عملاً ان يتقنه لا بد من تدريب وتأهيل الموظف التدريب الكافي قبل ان تزجه الى الميدان فلا بد من تسليحه بالعلم والمعرفة قبل ان تضعه في مواجهة جمهور المتعاملين ، والتدريب في تقديرنا يجب ان يشتمل على :
أ- التدريب الفني : اي معرفة طبيعة العمل الذي سيقوم به معرفة تامة ودقيقة، وبحيث يكون تدريب ميداني وليس من وراء حجب يسمع عنها ولا يعرفها ولم يراها او يشاهدها ، بل خبرها وعمل بها بنفسه ، حتى يكون مستعداً ومعداً اعداداً جيداً للعمل الميداني .
ب- التدريب الفقهي : والمقصود هو تدريب الموظف على الثقافة الفقهية في امور العمل الذي سيتولاه من جهة وليكون حجة امام جمهور المتعاملين مع المصرف واعياً لطبيعة العمل مدركاً خطورة اية اخطاء قد يرتكبها ، وفوق هذا وذاك مؤمناً بالعمل الذي يقوم به ، ليس لأنه لم يجد وظيفة غيرها ، مدافعاً عن مبادئ واسس العمل الذي يقوم به.
الفصل الثالث
المخاطر المرتبطة بطبيعة الاستثمارات الخاصة بالمؤسسات المصرفية الاسلامية
هنالك مخاطر خاصة بطبيعة الاستثمارات بشكل خاص بالعمل المصرفي الاسلامي، يمكن ووضعها ضمن الاطر الثلاثة التالية :
اولاً: المخاطر الناجمة عن طبيعة المتعاملين مع المؤسسات المصرفية الاسلامية .
ثانياً: المخاطر الناجمة عن طبيعة ونوعية الامكانيات الاستثمارية المتاحة للمؤسسات المصرفية والاسلامية.
ثالثاً: المخاطر الناجمة عن اساليب وانظمة العمل المصرفي الاسلامي.
فالطبيعة الخاصة للإستثمارات في المصارف الاسلامية وطبيعة النظم والمتعاملون معها ادى الى وجود العديد من المخاطر والتي يمكن توضيحها على النحو التالي :
- اولاً: المتعاملين مع المؤسسات المصرفية الاسلامية:
تعتمد المؤسسات المصرفية الاسلامية في طبيعة تعاملها مع المستثمرين على مبدأ المشاركة ، والمشاركة في الربح والخسارة، ومن هنا افرزت هذه الخاصية نوعين خاصة من المتعاملين يختلفون في تعاملهم المصرفي عن طبيعة التعامل مع المصارف التقليدية .
ووفقاً لهذه الخاصية – خاصية المشاركة – تصبح هنالك علاقة خاصة بين المستثمر والمصرفي الاسلامي لأنه اصبح شريكاً له في كافة النتائج التي سيحققها المشروع من ربح او خسارة وكذلك ما يمكن ان يتعرض له المشروع من مخاطر، فالعميل يقوم بتنفيذ المشروع حسب امكانياته وقدراته الادارية والعملية والاخلاقية وبالمقابل يقوم المصرف بالاشراف والمشاركة في خطوات تنفيذ المشروع ، الامر الذي يتطلب توافز مثل الامكانيات والقدرات الادارية والعملية و الاخلاقية لدى المصرف ليكون مساوي لشريكه (عميله) على قدم وساق في كالة الاعمال ومتطلبات انجاح المشروع.
ويمكن تصنيف هذه المخاطر الى ثلاثة اصناف هي :
- الصنف الاول :المخاطر التي يمكن ان تنجم عن عدم قدرة العميل الا دارية والعملية والفنية.
فالخبرة العملية بالدرجة الاولى من أهم الاسس التي تقوم عليها دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع الذي يدرس المصرف امكانية المشاركة فيه، وكذلك الامكانيات الفنية و الادارية كمكمل للخبرة العملية، اذ بدون توفر مثل هذه الامكانيات قد يعرض المشروع لمخاطر عديدة ومن ثم احتمالية حدوث خسائر كبيرة في المشروع .
- الصنف الثاني: مخاطر ناجمة عن عدم سلامة المركز المالي للعميل :
وتتمثل هذه المخاطر في عدم امكانية العميل لتسديد الالتزامات التي ستترتب عليه مستقبلاً ، خاصة في حالة التمويل وفق نظام المرابحة بالشراء او الاستصناع. الامر الذي يتطلب دراسة اوضاع العميل المالية وامكانية الالتزام بتسيديد الالتزامات المترتبة عليه في مواعيدها وذلك يعتمد على التأكد من سلامة وضعه المالي للتأكد من ان وضعه المالي يتحمل هذه الالتزامات ام لا ، لأن عدم تسديد التزاماته للمصرف الاسلامي في مواعيدها يعني تعريض المصرف الى مخاطر عديدة مما يؤدي الىوجود مستحقة وغير مدفعوعة وبالتالي تقليل نسبة الربح وتقليل نسبة دوران راس المال وما الى ذلك من مخاطر عديدة خاصة وان المصارف الاسلامية لا تتقاضي غرامات تأخير على المتأخرين في تسديد التزاماتهم.
- الصنف الثالث : المخاطر الناجمة عن عدم توافر المواصفات والمتطلبات الاخلاقية في العميل :
الامانة، والصدق في المعاملة والالتزام بالتعهدات الموقعة و مراعاة حرمة اموال الغير وغيرها من متطلبات السلوك المهني تعتبر من اهم اخلاقيات العمل مع المصارف الاسلامية، فالمضاربة تعني ان يضع المصرف مالاً بين يدي المستثمر يتجر فيه ليتقاسم الطرفان نتيجة هذه المضاربة في نهاية العملية، فعقود المصارف الاسلامية تعتبر عقود امانة وثقة مطلقة في بعض الحالات بالعميل من قبل المصرف ، فعدم توفر هذه الصفات بالعميل المستثمر الذي يتعامل مع المصرف قد يعرضه لمخاطر قد تكون مدمرة للمصرف وتعرض لخسائر جسيمة خاصة وان صيغ الا ستثمار الاسلامي تقوم على اسس اخلاقية عالية ويقع عليها النصيب الاكبر من الخسائر في بعض الحالات ، فالاسس التي يقوم عليها نظام المضاربة تقتضي بان الخسارة على راس المال ما لم يكن هنالك اهمال او تقصير من المضارب فالمصرف يتحمل العبء الاكبر من الخسائر المالية ، لذلك يجب على المصارف الاسلامية ان تبحث عن العميل "القوي الامين" حتى لا تتعرض لمخاطر كبيرة تحمل انعكاسات سلبية على نتائج اعمالها .
ثانياً المخاطر الناجمة عن طبيعة ونوعية الامكانيات الاستثمارية المتاحة للمؤسسات المصرفية الاسلامية :
نظراً للطبيعة الخاصة للهيكل الاستثماري للمؤسسات المصرفية الاسلامية مما يجعلها تختلف اختلافاً كلياً عن الانشطة الاستثمارية للمؤسسات المصرفية التقليدية ، فالاستثمار في المصارف الاسلامية هو نشاط استثماري حقيقي وفقاً للمفهوم المعاصر للإستثمار ، مما يجعله يعتمد اعتماداً كبيراً على كثير من المتطلبات الفنية الحديثة للإستثمار، فالمؤسسات المصرفية الاسلامية في قوانينها التأسيسية تبحث عن الفرص الاستثمارية ودراسة جدواها الاقتصادية دراسة ميدانية وتقييمها وتختار المناسب منها ، وفي بعض الحالات تنفذها مباشرة عن طريق المؤسسة المصرفية نفسها .
وهذا النموذج الاستثماري الذي تتبعه المصارف الاسلامية يعتمد في تطبيقه على مجموعة جديدة ومختلفة من المتعاملين المستثمرين والذين تمدهم بالتمويل اللازم وفقاً لمنهجية جديدة وآلية مختلفة .
وهذه الطبيعة الخاصة للإستثمارات في المصارف الاسلامية تحتاج الى الكثير من الآليات والمتطلبات التي يجب توفرها لديها للقيام بهذا الدور العظيم، ومن اولى هذه المتطلبات توفر الموارد البشرية الملائمة والتي تستطيع الاضطلاع بهذه المهمة وتطبيق هذا النموذج الاستثماي على الوجه الصحيح وعلى اكمل صورة، وهذه الموارد البشرية يجب ان تكون مؤهلة من كافة النواحي للقيام بهذه المهام والتي يقف في مقدمتها المهام التالية :
1- مهمة التعرف على الفرص الاستثمارية المتاحة واجراء دراسات الجدوى الاقتصادية الخاصة بها وتقييمها التقييم المناسب واختيار الملائم منها .
2- مهمة التعرف على العميل المستثمر المناسب ، وذلك من حيث دراسة وتقييم قدراته وملائمته لمشاركة المصرف ومدى امكانياته المادية والخبرات العملية والفنية وقدرته على التعامل مع النظم والاساليب التمويلية الجديدة الملائمة لطبيعة العمل المصرفي الاسلامي.
3- مهمة تنفيذ الا ستثمارات ومتابعة التنفيذ في الواقع العملي ، مما يتطلب قدرة وكفاءة عالية لهذه الموارد البشرية لمواجهة مشكلات التطبيق وايجاد الحلول المناسبة لها .
وهذا يتطلب بداية حسن اختيار الموظف وتاهيله التأهيل المناسب وتسليحه بكافة الاستعدادات التي تحفز فيه القدرة على تطبيق النموذج الاستثماري الذي تتبعه المصارف الاسلامية وبعكس ذلك تصبح هذه الموارد البشرية احد مصادر المخاطر التي تواجه تلك الاستثمارات ، فهذه المخاطر التي يمكن ان تنجم عن هذا المصدر قد تكون على الانواع التالية:
- النوع الاول: المخاطر التي يمكن ان تنشا نتيجة لعدم توافر القدرة على دراسة واختيار العمليات الاستثمارية الملائمة .
- النوع الثاني: المخاطر التي يمكن ان تنشأ نتيجة لعدم قدرة هذه الموارد على دراسة واختيار العملاء المستثمرين الملائمين لطبيعة العمل المصرفي الاستثماري الاسلامي.
- النوع الثالث: المخاطر التي يمكن ان تنشأ نتيجة لعدم قدرة هذه الموارد على تنفيذ او متابعة تنفيذ العمليات الاستثمارية لهذه المؤسسات الاستثمارية الاسلامية .
ثالثاً : المخاطر الناجمة عن نظم واساليب العمل في المؤسسات الاستثمارية الاسلامية:
تختلف غالبية النظم والاساليب العملية في مؤسسات التمويل الاسلامية عنها في المؤسسات التقليدية ، فنظام الودائع وتوزيع الارباح واساليب الاستثمار لها أسسها وضوابطها الخاصة بها ، وتختلف عن غيرها من الاسس والضوابط في المؤسسات الاخرى ، فالمصرف الاسلامي مضارب (صاحب خبرة) بالنسبة للمودع، وصاحب الوديعة هو رب بالمال بالنسبة للمصرف، وفي نفس الوقت يقوم المصرف بدور رب المال مع المضارف (صاحب الخبرة) اي العميل المستثمر مع المصرف، وهكذا في كثير من انظمة واساليب العمل.
ولتتمكن هذه المؤسسات من تطبيق هذه النظم لا بد من ايجاد وتوفير اساليب ونظم ملائمة قابلة للتطبيق على ارض الواقع، لأنه على مدى درجة ملائمة هذه الاساليب والانظمة للتطبيق يتوقف مدى ومستوى المخاطر التي يمكن ان تتعرض لها تلك الاستثمارات، ليس هذا فحسب بل يمكن ان تكون مصدراً للعديد من المخاطر التي يمكن ان تتعرض لها المؤسسة بشكل عام، ويقف في مقدمة هذه النظم:
1- نظام تلقي الاموال وخاصة الاستثمارية منها.
2- النظام الملائمة لدراسة الجدوى وتقييم المشروعات .
3- النظام الملائم لدراسة وتقييم واختيار العملاء.
الفصل الرابع
مخاطر بعض صيغ الاستثمار في المصارف الاسلامية
اولاً: مخاطر التمويل بالمشاركة:
وتعتبر صيغة المشاركة من افضل ما طرحته المصارف الاسلامية من صيغ التمويل الاسلامية العديد والتي تعني دخول البنك شريكاً ممولاً – كلياً او جزئياً- في مشروع ذا جدوى اقتصادية ، ويقوم التمويل بالمشاركة على مبدا الغنم بالغرم حيث تتم المشاركة في الارباح والخسائر التي تتحقق طبقاً للحصة المتفق عليها ابتدأً ، فهي عملية محفوفة بالمخاطر، مما يستوجب التعرف على مختلف مصادر الخطورة في هذه العملية لإتخاذ الترتيبات اللازمة لمنع المخاطر الممكن التغلب عليها من كلا الجانبين – المصرف والمستثمر.
ونظراً لحساسية هذه الصيغة يشوبها عدة مخاطر يمكن تبويبها على النحو التالي :
أ-مخاطر مرتبطة بالمصرف نفسه الذي يقدم هذا النوع من التمويل وهذه المخاطر تتمثل فيما يلي :
1- مصادر الاموال المستثمرة : فكما هو معروف فإن غالبية اموال المصرف من ودائع العملاء والتي في غالبيتها العظمى ودائع قصيرة الاجل ، وهذا بالتالي يحدد مجالات الاستثمار التي لا تتيح للمصرف الاستثمار في مشروعات طويلة الاجل خوماً من زيادة الطلب على الودائع قصيرة الاجل مما قد يعرض المصرف الى مخاطر كبيرة وبالتالي يؤثر على نسب الربحية للمصرف في مثل هذه المشاريع التي سيقوم بتمويلها وكذلك حجم المشاركات وكذلك تقليل مدد المشاركة وبالتالي الحد من حرية المصرف في اختيار المشاركات الاكثر ربحية.
2- درجة التنويع في الاستثمارات: فكلما تنوعت استثمارات المصرف وتوزعت على اكثر من مشروع واكثر من مورد من موارد الاقتصاد كلما قلت درجة المخاطر التي تتعرض لها استثمارات المصرف في المشاركة. فالتنوع لا يشتمل فقط على اجال المشاريع سواء كانت قصيرة ام طويل الاجل بل كذلك لا بد من التنوع في طبيعة المشاريع لتشمل كافة مناحي الاستثمار من صناعة وزراعة وتجارة وتمويل للحرفيين وصغار المستثمرين وما الى ذلك ، وذلك من اجل التقليل من المخاطر التي قد يتعرض لها المصرف.
3- الكوادر الفنية في المصرف: فهناك علاقة عكسية بين المخاطر ودرجة مهارة وخبرة الكواد العاملة في المصرف، فالكوادر البشرية في المصرف هي التي يعوّل عليها بالدرجة الاولى في تقليل المخاطر التي قد تتعرض لها عمليات التمويل خاصة في تمويل المشاركة الامر الذي يتطلب كوادر فينة ماهرة بل على درجة عالية من المهارة والخبرة سواء في التعرف على فرص المشاركات او في اختيار المشروعات او في مفاوضات المشاركات او في التعرف على الشركاء وما الى ذلك معلومات وخبرات يمكن توظيفها في خدمة المشاريع وبالتالي في خدمة المؤسسة المصرفية التي يعمل بها، وكذلك لا بد من توفر كوادر ذات كفاءة في تقييم المشروعات ومتابعتها متابعة حثيثة لأن عملية التقييم والمتابعة الدورية تؤدي الى التقليل من المخاطر التي قد تتعرض لها المشروعات الاستثمارية.
ب-المخاطر المتعلقة بالمشروعات الاستثمارية :
من حيث الشكل القانوني لهذه المشاريع ومرحلة نمو المشاريع وحجم هذه المشاريع وامكانيات التقدم والازدهار لهذه المشاريع .
ج- المخاطر المتعلقة بادارة المشروع :
تشير الدراسات الاقتصادية المعاصرة الى ان المشروع او الشركة او المؤسسة التي يديرها صاحبها ومؤسسها تكون مخاطرها اقل من غيرها لذلك لا بد الاخذ بعين الاعتبار عند دراسة اي مشروع تحري الدقة في ادارة المشروع والقائمين عليه، ومدى جدية القائم على المشروع في انجاحه وتقدمه ، وكذلك لا بد من التعرف على قدرات مدير المشروع واخلاقياته وامكانية الاعتماد عليه بالاضافة الى التعرف على كيفية ادارة المشروع وتكامل خبرات القائمين عليه، سواء كادارة عليا او العاملين في المشروع بشكل عام.
د-مخاطر السوق:
وذلك من حيث طبعية المنتج فهل سيكون المنتج سلعة كمالية ام سلعة اساسية ، وهل المنتج يعتمد على تكنولوجيا العالية اعتماداً كبيراً ام لا ، بالاضافة الى التعرف على السلع البديلة للمنتج وهل هناك منافسة عالية ام لا لهذا المنتج.
هـ- المخاطر المرتبطة بطريقة التمويل نفسها :
وهذا يقودنا قبل كل شيء لدراسة الوضع المالي للمستثمر ، فكلما كانت التزاماته عالية كلما كانت نسبة المخاطر اعلى، وكذلك مدى التزام المستثمر بتسديد الالتزامات المترتبة عليه وما الى ذلك.
وكذلك لا بد من اخذ حجم التمويل المطلوب بعين الاعتبار وذلك من عدة نواحي ، فمن ناحية كلما زادت نسبة مساهمة المصرف في المشروع كلما زادت نسبة تأثيره في سياسة المشروع، ومن ناحية اخرى حجم التمويل في المشروع يجب ان يتناسب وامكانيات المصرف الداخلية الحالية والمستقبلية وظروف السوق.
بالاضافة الى ذلك لا بد من اخذ مدة التمويل بعين الاعتبار خاصة في المشاريع الصناعية ، حيث ان من المعروف ان هذه المشاريع تبدأ بتحقيق ارباح بعد مدة فكلما زادت مدة التمويل ومشاركة المصرف في المشروع كلما كانت المخاطر اقل .
ثانياً : مخاطر التمويل بالمضاربة :
المضاربة لغة على وزن مفاعلة وهي اسم مشتق من الضرب في الارض بمعنى السفر ، ذلك لأن الاتجار يلزم عادة السفر ، وذلك كما جاء في قوله تعالى : "وآخرون يضربون في الارض يتبعون من فضل الله" (المزمل 20) واصطلاحاً عرفها الحنفية بأنها (عقد شركة في الربح بمال من جانب وعمل من جانب) وعرفها الحنابلة بأنها (وضع مال الى آخر يتجر به والربح بينهما) وعرفها النووي من فقهاء الشافعية بقوله (القراض والمضاربة: ان يدفع اليه مالا ليتجر فيه والربح مشترك.
ومجمل هذه التعاريف انها تتفق جميعها على (ان ليس للعامل اي نصيب في رأس المال ، وانما يحقق نصيبه من هذه الشركة في الربح الناتج عنها بالقدر الذي تم الاتفاق عليه بينه وبين صاحب رأس المال فإذا لم يتحقق من هذه العملية ربح، فإن الذي يخسره العامل في هذه الحالة هو الجهد الذي بذله فيه، ويتحمل صاحب رأس المال خسارة رأسماله).
واخذت غالبية المصارف الاسلامية المعاصرة بمبدأ المضاربة واخذت تطبيقه في بعض عملياتها بشكل واسع وشامل بحيث لم يعد مقتصراً على التجارة فقط بل تمارس هذه العملية في نشاطات متعددة وفي مختلف المجالات الصناعية والزراعية واستغلال العقارات وانشائها، ولكن التمويل بالمضاربة يكتنفه العديد من المخاطر التي يمكن تلخيصها على النحو التالي :
1- نسبة توزيع الارباح سواء في المضاربة العادية او المضاربة المشتركة : كما سبق الاشارة فإن عملية المضاربة عبارة عن جهد ورأسمال يتم توزيع الارباح على هذه العناصر بشكل غير متساوٍ في غالب الا حياء ، وذلك من خلال تقدير الجهد الذي سيبذل في كل عملية من عمليات المضاربة فيتم تحديد نسبة الارباح للمضارب حسب الجهد الذي يبذله وهذا او متروك لحسابات متعددة ، فأي خطأ في تقدير هذا الجهد يكون على حساب رأس المال ، وبالتالي يعرض راس المال الى مخاطر ، الامر الذي يستدعي اجراء دراسة جدوى اقتصادية دقيقة جداً وفنية في نفس الوقت لتحديد نسب توزيع الارباح حتى لا يظلم احد اطراف العملية وتعريض مصلحة المصرف للمخاطر بالتالي .
2- تعرض البضاعة للتلف في ظروف استثنائية ، فحسب اجماع الفقهاء عادة ما تكون الخسارة على رأس المال ما لم يكن هنالك اهمال او تقصير من المضارب، فإذا ما تعرضت بضاعة عملية المضاربة للتلف نتيجة لظروف استثنائية وغير متوقعة فإن الخسارة ستلحق بالمصرف لوحده والمضارب يكون حسر جهده ، وبالتالي تعرضت مصالح المصرف لمخاطر عديدة.
3- مماطلة المضارب في تصفية العملية: من المتعارف عليه ان آجال عمليات المضاربة قصيرة الامد وعليه بجب تصفية العمليات في آجالها لأن عدم تصفية هذه العمليات يعرض رأسمال المصرف لمخاطر عديدة منها مخاطر تعطيل رأس المال عن العمل، فالأصل في عملية المضاربة وضع مالاً تحت تصرف المضارب ليتجر فيه، وله مطلق الحرية للتصرف في هذا المال ضمن هذه العملية دون قيد او شرط من المصرف في حالة المضاربة المطلقة، فإذا ما قام المضارب بالمماطلة في تصفية عمليات المضاربة ، فإنه بذلك يعطل رأسمال المصرف من العمل ويعود بمخاطر عديدة على المصرف بشكل عام.
ثالثاً: مخاطر التمويل بالمرابحة :
والمقصود بالمرابحة هنا المرابحة للأمر بالشراء والتي يمكن تلخيص هذه الصورة من صور بيع المرابحة على النحو التالي : ان يتقدم العميل الى المصرف طالباً منه شراء سلعة معينة بالمواصفات التي تحددها على اساس الوعد من قبل العميل بشراء تلك السلعة مرابحة، بنسبة ربح يتفق عليها مسبقاً ، يقوم المصرف بعد ذلك بشراء تلك السلعة ويملكها ومن ثم يقوم بعرضها على العميل الذي امر بشرائها ، وعلى العميل الالتزام بشرائها بناء على وعد مسبق منه، كما ان له الحق في رفضها والعدول عنها .
ويعد بيع المرابحة للأمر بالشراء من اكثر صيغ الاستثمار الاسلامي شيوعاً لدى جميع المصارف الاسلامية المعاصرة وذلك لإعتقاد هذه المصارف انها – المرابحة – من اسهل الصيغ قابلية للتطبيق كما يعتقد البعض الآخر انها من اكثر الصيغ الاستثمار انخفاضاً في درجة المخاطر من الصيغ الاخرى . الا ان هذه الصيغة لا تخلو من المخاطر التي يمكن تلخيصها كما يلي :
1- تعرض اموال المصرف للخطر في حالة عجز العميل عن السداد وعدم الحصول على ضمانات كافية حتى مع اللجوء الى القضاء ووجود رهن عقاري على سبيل المثال، اذ ان التنفيذ على هذه الضمانات يحتاج الى مدة طويلة تصل لأكثر من سنة في بعض الاحيان، وهذا يعني ان المصرف يفقد عائد على هذه الاموال طيلة فترة اتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة حتى يتم تحصيل حقوق المصرف.
2- ثبات ارباح البنك طوال مدة المرابحة، ففي بيوع المرابحة للأمر بالشراء يتم تحديد نسبة المرابحة وتضاف الى رأس المال (التمويل) ، ويتم توزيع المبلغ على مدة التسديد المتفق عليها مسبقاً ، وكما هو معروف قيمة المبيالات ثابتة لا تتغير سواء تقدم العميل بالتسيديد ام تأخر على العكس مما هو مطبق في البنوك التقليدية حيث يمكن تغيير سعر الفائدة اذا دعت الحاجة لذلك، كما انه يمكن احتساب فائدة تأخير اذا ما حصل .
3- تحمل ابنك المسؤولية تجاه البضاعة : سواء هلاك السلعة المشتراه او غير ذلك ، فمن الناحية الشرعية يجب على البنك تملك السلعة التي سيشتريها للعميل وحيازتها، ومن ثم التنزل عنها للعميل ، فإذا ما حصل ان حدث موانع تحول دون تحويل ملكية السلعة المشتراه للعميل ، فتبقى ملكيتها للمصرف الذي قد لا يستطيع بيعها ثانية ويتحمل خسارة قيمة هذه البضاعة او في حالة تلفها اثناء هذه العملية.
رابعاً: مخاطر التمويل بالاجارة :
عرف بعض الفقهاء الاجارة على انها "عقد على المنافع بعوض" حيث يقوم المصرف بشراء اجهزة ومعدات وعقارات وما الى ذلك مستلزمات للتنمية الاقتصادية ويقوم بتأجيرها لمدة محدودة سواء كان تأجير تمويلي او تأجير تشغيلي حيث في التأجير التمويلي تؤول ملكية المستأجر في نهاية مدة العقد للمستأجرة. ويعتبر عقد الاجارة من العقود الاسلامية التي لها دور كبير في التنمية الاقتصادية وبشكل خاص في التنمية الصناعية، وتقوم البنوك التقليدية ومؤسسات متخصصة بهذه الاعمال في الوقت الحاضر وذلك لما لها مميزات ودور كبير في التنمية الاقتصادية ، وتنبهت اوروبا في بداية الخمسينات لهذه الصيغة الاستثمارية وذلك على اثر ظهور الثورة الصناعية وما رافقها من حتياجات لآلات ومعدات وخاصة الرافعات والبواخر التي وجد عملية الاستئجار لمثل هذه الاجهزة فائدة كبيرة للطرفقين (المؤجر والمستأجر).
ولكن هذه الصيغة لا تخلومن المخاطر التي يمكن ان نوجزها كما يلي :
1- مخاطر تسويقية: وتتمثل في ان شراء هذه الاجهزة والمعدات من قبل المصرف يحتاج الى حملة تسويقية منظمة من قبل المصرف لجذب انتباه العملاء للتعاون مع المصرف في هذا الشأن ، لذلك لا بد من الاخذ بعين الاعتبار عند شراء مثل هذه الاجهزة لاحتياجات السوق والطلب على هذه المعدات، والا تعرض المصرف الى مخاطر كبيرة تتمثل في تجميد رأس المال وقد يتسبب بخسائر كبيرة كذلك .
2- مخاطر عدم انتظام دفع الاجرة، ويعني عدم دفع الاجرة بانتظام تعطيل رأس المال عامل للمصرف سواء من حيث تشغيل رأس المال او من حيث اعادة استثمار الاموال السائلة لديه.
3- مخاطر التغير في الاساليب التكنولوجية: وخاصة في العصر الحالي الذي يشهد تسارعاً متزايداً في التقدم الكتنولوجي والعلمي ، وخاصة ما نشاهده ونلمسه هذه الايام من التقدم التكنولوجي المتسارع في اجهزة الحاسوب الذي تطالعنا الصحف اليومية كل يوم بشيء جديد في هذا المضمار ، الامر الذي يستوجب ان يتم اختبار مواد التأجير بعناية فائقة وبحرص شديد خوفاً من تعريض المصرف لمخاطر كبيرة.
خامساً : مخاطر التمويل بعقد الاستصناع:
عقد الاستثناع عبارة عن عقد يقوم المصرف بموجبه وبناء على تكليف من عميله باستصناع سلعة او ما شابهها بتكلفة معينة على ان يتم بيعها لطالب الصنعة بسعر مختلف عن سعر التصنيع، اي التكلفة الحقيقية مضاف اليها ربح المصرف بحيث تسدد قيمة هذا المستصنع بالاضافة الى ربح المصرف بموجب مدة محددة متفق عليها وبمواعيد محددة ، وان اهم المخاطر التي يشتمل عليها عقد الاستصناع هي :
1- مخاطر اختلاف المواصفات: من اهم عناصر العقد ان يقوم المصرف باستصناع المستصنع وبمواصفات محددة بدقة دقيقة جداً لأن المستصنع يصبح عديم الفائدة اذا لم يكن بنفس المواصفات الواردة، حيث ان من حق عميل المصرف – حسب احكام العقد ان يرفض المستصنع اذا لم يكن بنفس المواصفات.
2- مخاطر عدم تسليم المسنصنع في الوقت المحدد: يلي المواصفات اهمية في عقد الاستصناع، تاريخ التسديد الذي لا يقل اهمية عن سابقة ، فإاذ لم يتم تسليم المصنيع في الوقت المحدد من حق العميل فسخ العقد وعدم قبول المستصنع ، وهذا الامر من الخطورة بمكان ويشكل عبء كبيراً على المصرف في حالة رفض المستثمر استلام المستصنع اذا تأخر موعد التسليم عن الوقت المقرر والمتفق عليه مسبقاً.
3- مخاطر عدم انتظام التسديد حيث ان عدم انتظام التسديد يعطل عملية دوران رأس المال واعادة استثمار رأس المال بالشكل المناسب ، وبالتالي تحقيق عائد مجز من هذه العملية الا ان عدم الانتظام في التسديد يعطل كل هذه الخطط المرسومة وسياسات الاستثمار المخطط لها مسبقاً .
الفصل الخامس
الآثار العامة للمخاطر على العمل المصرفي الاسلامي
نتيجة لهذه المخاطر سواء كان منها مخاطر عامة او خاصة بصيغة من صيغ الاستثمار الاسلامي ، فهي بلا شك اثرت وما زالت تؤثر على مسيرة المصارف الاسلامية وعلى طبيعة وهيكل العمل المصرفي الا سلامي، ويمكن ابراز وتلخيص اهم الآثار التي ترتبت على هذه المخاطر في العمل المصرفي الاسلامي على النحو التالي:
اولاً: الاعتماد على صيغة استثمارية معينة :
فالمتتبع لمسيرة الاستثمار في المصارف لااسلامية ، نجد ان غالبية المصارف الاسلامية تعتمد في معظم استثماراتها على مبدأ المرابحة للأمر بالشراء، فقد وصلت استثمارات بعض المصارف الى ما يزيد عن 90% من استثماراتها في قطاع المرابحة ، ولم تحظى اي صيغة من صيغ الاستثمار ، خاصة المشاركة والمضاربة، الا بالقليل القليل من الفرص وتعتمد عليها المصارف اعتماداً مبدئياً.
ويعود اعتماد معظم المصارف الاسلامية على صيغة المرابحة للأمر بالشراء لعدة عوامل اهمها:
- سهولة اجراءات التطبيق .
- تحديد مقدار الربح سلفاً.
- اعتماد الصيغة على الضمانات التقليدية .
هذه الاسباب مجتمعة ادت الى ارتفاع نسبة اعتمد المصارف الاسلامية على هذه الصيغة وانخفاض نسبة اعتمادها على الصيغ الاستثمارية الاخرى وذلك للمخاطر التي تم ذكرها بالتفصيل.
ومن هذا المنطلق وصف بعض المراقبين والمتتبعين للعمل المصرفي الاسلامي هذا التوجه لدى المصارف الاسلامية بانحراف اساسي في العمل المصرفي الاسلامي ، فبدلاً من ان تتوجه استثماراتها نحو الاساليب الاستثمارية الاسلامية المتنوعة والقائمة على قاعدة الغنم بالغرم ومشاركة العميل في نتائج اعماله من ربح او خسارة والتي تعكس الطبيعة الاستثمارية الاسلامية الحقيقية ، ثم الاعتماد على الاساليب التي تتميز بارتفاع عامل الضمان وانخفاض درجة المخاطر .
ثانياً: التوجه نحو الاستثمارات قصيرة الاجل:
نتيجة لحرص المؤسسات المصرفية الاسلامية الزائد على الحفاظ على سيولتها ونظراً لعدم وجود المقرض الاخيرة ، توجهت المصارف الاسلامية للإستثمار في استثمارات قصيرة الاجل في غالبية استثمارات ، ولم تحظى المشروعات الاستثمارية طويلة الاجل الا بنسبة هامشية من جملة الاستثمارات مدفوعة بعدة عوامل اهمها :
- الموارد المالية المتاحة.
- الخبرات الاستثمارية الملائمة .
- الاجهزة الاستثمارية المتوفرة .
- نظم واساليب العمل .
ويرى المراقبون للعمل المصرفي الاسلامي ان هذه التحفظات في بداية العمل الاسلامي لها ما يبررها خاصة في موضوع السيولة والعائد السريع ولكن استمرار هذه الحالة بعد مضي فترة طويلة على بدء العمل المصرفي الاسلامي يضع علامات استفهام حول طبيعة النموذج الاستثماري والتنموي لهذه المؤسسات، ومدى جديتها وقدرتها على نقل نموذج الاستثمارات طويلة ومتوسطة الاجل الى مجال التطبيق العملي ومدى تحقيق الآثار الاقتصادية والتنموية من خلال طبيعة هذا النموذج.
ثالثاً: الاعتمادات على الضمانات التقليدية :
تبرر معظم المصارف الاسلامية توجهها نحو صيغة المرابحة للأمر بالشراء واعتمادها على الضمانات التقليدية لإرتفاع مستوى المخاطر لصيغ الاستثمار الاخرى والتي من ابرزها :
- الكفاءة الاخلاقية والعملية للعملاء المستثمرون.
- خبرات الموارد البشرية وامكانياتها الملائمة .
- نظم وقوانين العمل المتاحة .
لذلك وجدت ضالتها المنشورة في المرابحة ، حيث اتيح لها اخذ الضمانات العينية والشخصية، وغيرها من الضمانات مما يكفل لها استرداد قيمة التمويل والارباح المتفق عليها مسبقاً، وبالتالي تجنب المخاطر التي قد تتعرض لها في حالة عدم توفر الضمانات.
ونتيجة لهذا التوجه والاعتماد الكلي على الضمانات العينية والشخصية ، يرى بعض المراقبين للعمل المصرفي الاسلامي ان هذه المؤسسات انحرفت انحرافاً اساسياً عن العمل المصرفي الاسلامي، وتحولت الى مؤسسات تقوم على تمويل الاغنياء واصحاب رؤوس الاموال القادرين على تقديم المضان، وابتعدت عن تمويل الفقراء القادرين على العمل حسب النموذج النظري للعمل المصرفي الاسلامي، وبذلك تكون قد فقدت السمات الاجتماعية الاساسية المميزة لها .
الفصل السادس
النتائج والتوصيات
أ- النتائج :
1- تواجه الاستثمارات في المصارف الاسلامية العديد من المخاطر سواء ما كان منها يتعلق بالعملاء المستثمرين وبالامكانيات الاستثمارية وكذلك في نظم واساليب العمل نفسه .
2- نظراً للطبيعة الخاصة للعمل المصرفي الاسلامي فإن ما تتعرض له الاستثمارات في المصارف الاسلامية يختلف اختلافاً كبيراً عن تلك المخاطر التي تواجهها المؤسسات المصرفية التقليدية .
3- وبسبب عدم توفر الامكانيات والمتطلبات اللازمة ارتفعت نسبة المخاطر التي تواجهها المؤسسات المالية والمصرفية الاسلامية .
4- ونتيجة لإرتفاع مستوى المخاطر التي تواجهها المؤسسات المالية المصرفية الاسلامية، ادت الى العديد من الآثار والنتائج السلبية لمسيرة العمل الاستثماري الاسلامي.
ب- التوصيات:
1- ضرورة انشاء دائرة للبحث العلمي ، متخصصة ومتفرغة لهذه الغاية من اجل العمل على تطوير وتحديث نظم واساليب العمل لمواكبة متطلبات العصر بما يتفق والمبادئ التي انشات من اجلها .
2- الاعتماد على الاساليب العلمية والعملية في دراسة وتقييم واختيار العملاء.
3- حسن اختيار الكادر الوظيفي وفق اسس علمية وعملية وتدريب وتهيئة هذا الكادر وتعليمه على كافة نواحي العمل المصرفي الاسلامي من النواحي العلمية والعملية والشرعية وغير ذلك .
4- تغيير النمط الاستثماري السائد لديها حالياً (المرابحة) والتحول نحو الصيغ الاستثمارية الاخرى لتعكس النموذج الاستثماري والتمويلي الاسلامي.
5- حث الدول التي تعمل بها على تهيئة الظروف الملائمة للعمل المصرفي الاسلامي المناسبة لطبيعة هذه المؤسسات وانشطتها المختلفة .
المراجع
1- د. اوصاف احمد: الاهمية النسبية لطرق التمويل المختلفة في النظام المصرفي الاسلامي، 1987 .
2- تقويم الجوانب الادارية للمصارف الاسلامية ، المعهد العالمي للفكر الاسلامي ، 1996 .
3- تقويم الدور الاقتصادي للمصارف الاسلامية ، المعهد العالمي للفكر الاسلامي ، 1996 .
4- د. سامي حمود: صيغ التمويل الا سلامي: مزايا وعقبات كل صيغة: ندوة مساهمة الفكر الاسلامي في الاقتصاد المعاصر للمعهد العالمي للفكر الاسلامي محرم 1409 هـ .
5- د. عابدين احمد سلامه : واقع التمويل بالمشاركة في البنوك الاسلامية العاملة بالسودان، ندوة مساهمة الفكر الاسلامي في الاقتصاد المعاصر المعهد العالمي للفكر الاسلامي القاهرة محرم 1409 هـ .
6- د. عبد الحميد الغزالي: مشكلات المصارف الاسلامية: ندوة تجربة البنوك الاسلامية- بنك فيصل الاسلامي المصري ، 1990 .
7- المؤشرات المالية للمصارف الاسلامية: المصرف الاسلامي الدولي للإستثمار والتنمية، القاهرة ، 1996 .
8- بكر ريحان : تحليل مخاطر البنوك الاسلامية .