ثالثاً : صيغة التمويل عن طريق المضاربة:
تعد المضاربة من أهم صيغ استمثار الأموال في الفقه الإسلامي، وهي نوع من
المشاركة بين رأس المال والعمل , وسوف يتم تناولها من حيث تعريفها ومدى
مشروعيتها وأركانها وشروطها وأنواعها ومجالات تطبيقها في المصارف
الإسلامية.
تعريف المضاربة:
المضاربة لغة: مفاعلة من الضرب في الأرض وهو السير فيهأن وشرعاً: عقد شركة
في الربح بمال من جانب وعمل من جانب آخر، وركنها الإيجاب والقبول, وحكمها
إيداع ابتداء، وتوكيل مع العمل وشركة إن ربح، وغصب إن خالف، وإجارة إن فسدت
, فلا ربح حينئذ, بل له أجر عمله, بلا زيادة على المشروط.
والمضاربة هي أن يعطي الرجل الرجل المال ليتجر به على جزء معلوم يأخذه
العامل من ربح المال أي جزء كان مما يتفقان عليه ثلثاً أو ربعاً أو نصفاً
وتسمي مضاربة أو قراضاً.
والقراض بلغة أهل الحجاز أو المضاربة كا تسمى في العراق عقد من عقود
الجاهلية، شاع التعامل به قبل الإسلام ، وقد عرف ابن رشد المضاربة " بقوله
أن يدفع الرجل إلى الرجل المال على أن يعمل فيه على جزء من الربح ".
مشروعية المضاربة:
كانت المضاربة شائعة بين العرب زمن الجاهلية وكانت قريش أهل تجارة يعطون
المال مضاربة لمن يتجر ب بجزء مسمى من الربح ، وأقر الرسول صلى الله عليه
وسلم ذلك في الإسلام ، ومن الأمثلة على ذلك خروج الرسول صلى الله عليه وسلم
قبل البعثة للتجارة في أموال السيدة خديجة رضي الله عنها على أن يكون له
نصيب في الربح، فهو عقد مضاربة وقد استمر العمل به بعد البعثة، وبذلك تستند
مشروعية عقد المضاربة إلى السنة
العملية الثابتة بإقرار الرسول صلى الله عليه وسلم واجماع الصحابة على العمل بها.
وقد أجمع العلماء على جواز عقد المضاربة وأن مستثنى من الإجارة المجهولة وأن هذه الرخصة للرفق بالناس.
وقد ورد أن العباس ابن عبد المطلب كان إذا دفع مالاً مضاربة اشترط على
صاحبه ألا يسلك طريقا به بحراً ولا ينزل به وادياً ولا يشتري به ذات كبد
رطبه فإن فعل فهو ضامن فرقع شرطه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجازه،
وقد روي عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
ثلاث
فيهن البركة البيع إلى أجل والمقارضة وخلط البر بالشعير للبيت لا للبيع ).
وقد ذكر الفقهاء أن عموم الآيات الآتيه واطلاقها يقتضي العمل بالمضاربة يقول تعالى:
" وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله ....
" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم ....
" فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الإرض وابتغوا من فضل الله..
أركان المضاربة:
أما أركانها كما ذكرها النووي خمسة:
1- الركن الأول : رأس المال .
2- الركن الثاني : العمل .
3- الركن الثالث: الربح .
4- الركن الرابع: الصيغة .
5- الركن الخامس: العاقدان.
شروط المضاربة:
من الشروط التي ذكرها الفقهاء للمضاربة ما يلي:
أ- شروط متعلقة برأس المال.
ب- شروط متعلقة بالربح .
ج- شروط متعلقة بالعمل.
أ- الشروط المتعلقة برأس المال :
1- أن يكون رأس المال من النقود المضروبة من الدراهم والدنانير وهو اشتراط عامة الفقهاء.
2- ألا يكون رأس المال دينا في ذمة المضارب.
3- أن يتم تسليم رأس المال للمضارب ( إما أن يكون التسليم بالمناولة أو بالتمكين من المال ) .
ب- الشروط المتعلقة بالربح:
1- أن تكون حصة كل منهما من الربح معلومة.
2- أن تكون حصة كل منهما من الربح شائعة كالنصف أو الثلث مثلاً.
ج- الشروط المتعلقة بالعمل :
1- اختصاص العامل بالعمل دون رب المال.
2- أن لا يضيق رب المال على العامل بتعيين شيئ يندر.
3- أن لا يضرب له أجل يمنعه من التصرف.
كما يشترط في المضاربة أهيمة التوكيل والوكالة ولا يشترط اسلامه، ولا يشترط
أهلية التوكيل والوكالة لرب المال ويتضح ذلك من حديث رسول الله صلى الله
علي وسلم : من ولي يتيماً فليتجر له ولا يتركه حتى تأكله الصدقه " ... رواه
الترمذي حيث أن رب المال ( اليتيم ) لم يبلغ بعد أهلية التوكيل والوكالة.
أنواع المضاربة:
المضاربة شركة بين إثنين أحدهما يسمى رب المال والآخر يسمى المضارب والأول
له نصيب في الربح مقابل رأس المال والثاني ربحه مقابل عمله الذي يؤديه ،
والمضاربة نوعان وهما :-
أ- المضاربة المطلقة :
وهي أن تدفع المال مضاربة من عير تعيين العمل والمكان والزمان وصفة العمل ،
فالمضاربة المطلقة يكون للمضارب فيها حرية التصرف كيفما شاء دون الرجوع
لرب المال إلا عند نهاية المضاربة.
ب- المضاربة المقيدة:
وهي التي يشترط فيها رب المال على المضارب بعض الشروط لضمان ماله كما ورد
في رواية العباس بن عبد المطلب ، وهذا النوع من المضاربة جائز وقد قال
الإمام أبو حنيفه وأحمد إن المضاربة كما تصح مطلقة فإنها تجوز كذلك مقيدة.
تطبيق صيغة المضاربة بالمصارف الإسلامية:
تبين من الواقع العملي إن كلا النوعين من المضاربة ملائم لمعاملات المصارف
الإسلامية غير أن المضاربة المطلقة هي الأصل في التعامل بين المصرف وأصحاب
ودائع الاستثمار، ولهذا فقد تضمنت استثماره وديعة الاستثمار في بنك فيصل
الإسلامي السوداني شرطاً ينص على الآتي :-
ويتم الاستثمار على أساس المضاربة المطلقة ويأذن العميل للبنك في كل تصرف فيه المصلحة.
فهذه الصيغة تجيز للمصرف أن يباشر جميع التصرفات التي يرى فيها المصلحة
بعده مضارباً في مال صاحب الوديعة فيخلطها بأموال أصحاب الأسهم والودائع
الأخرى ، وتجيز له أيضاً أن يدفعها لغيره ليضارب بها.
فالمصرف عندما يكون هو المضارب كما في الصناديق الاستثمارية تلائمه
المضاربة المطلقة وعندما يكون هو رب المال أو نائباً عنه كما في تمويل
المستثمرين تلائمه المضاربة المقيدة.
والمضاربة في المضارف الإسلامية مع المتعاملين قد تكون قصيرة الأجل أو
متوسطة الأجل أو طويلة الأجل ، فقد يضارب المصرف على صفقة واحدة فهي مضاربة
قصيرة الأجل , وقد يضارب في سلعة تشترى ثم تباع على فترات فهي مضاربة
متوسطة الأجل ، وقد يشترك مع آخرين في تمويل رأس مال مشروع بالكامل لفترة
طويلة فهي مضاربة طويلة الأجل.
والمجال المناسب للمضاربة بالنسبة للنشاط التجاري، المضاربة في السلع التي يمكن شراؤها من مصادر انتاجها وبيعها بالأسواق المحلية,
ويتطلب هذا أن يكون لدى المتعامل الخبرة بهذه الأنواع من السلع.
ولقد تبين أن بعض المصارف الإسلامية تحجم عن التعامل بصيغة المضاربة ويرجع
ذلك إلى عدم استيعاب المتعاملين لأسلوب تطبيق هذه الصيغة لعدم توافر نوعية
المتعاملين من ذي الأمانة والثقة العالية، بالإضافة إلى المخاطر المترتبة
على قيام المصرف بتمويل كافة العملية دون أن يدفع العميل حصة في التمويل.